رمضان يُقرؤك السلام .
إب نيوز ٢٧ إبريل
عفاف البعداني
رمضان: هو أشبه بذلك الرجل العجوز الذي لا يأتي إلا بطقسٍ محدد، وبيومٍ ممجد، يظل مختبئ خلف الشهور وبعيدًا عن مُعتركِ الحياة، وربما يظهر نفسه ويهب نفحاته بكميةٍ محدودةٍ ولأشخاصٍ مكرمين يصطفيهم من كل أخيار العالم؛ ليقبل عليهم كزخة عطر زخت من روح الربيع تنبعث وتستهدف رويدًا رويدًا على مصاف أرواحهم، هُم يعيشون معنا ولكن بحياة لا تشبه ولا تتشابه بحياتِنا المُعتادة، وهذه الحالة خاصة بالمتقين، أولي اﻷلباب، تصب في عوارض حياتهم المتقلبة فتؤنسهم وتنتشل منهم كدر الحياة، وتمنحهم مانبحث عنه وما نرمي له من المهد إلى اللحد.
ولكن هذه المرة تنامى كرمه من مهدِ الحياة وابتعث كنيزك رحّال، وأقبل علينا جميعنا هذا الرجل جاءنا عَبْرَ بساطٍ من السماء، مُحمَّل بالهدايا، وماحي للرزايا، ومصحح للخبايا، لا يقصد فردًا بعينه أو شخص باسمه وصفته ومنصبه، بل يأتي ليدعو الجميع ويهيب بنا كما يهيب اﻷب بولده الفارس، وكأنه يضع مدارك الثقة بخلجاتنا، ويضمر في حياتنا أن الغد هو اﻷجمل وأنه يجب علينا أن نطوي صفحة اﻷمس ونترك مساوئها، ونودع الماضي بصفح أريجي، يعبر عن جهد متكوكب في أفلاك العبادة التي تسمو بأنفسنا إلى رائحة الجنان.
يطل هذا الرجل الكريم وتستمر قصته معنا لمدة ثلاثين يوما، يأتي عبر قطار سحابي، ذيله طويل، وظله أبيض الطلة، وناصع اللون يتلألأ رغم تكاثف الضباب، و يكسي اسمرار السماء بلونه المُصفّى، ويودّعُ اكفهرار المساء، يستبشر لقدومه الكبار، وتستهويه قلوب الصغار، وتصوم كالعاصفير إلى نصف النهار ، يسجن الشياطين ويفرش سجادة مقتبسة من رحمة الله؛ ليفرشها على كوكب اﻷرض فتمر الملائكة، اﻵﻵف مؤلفة، وحشود مجمعة، كي تدب في جوانحنا السكينة، وتلفنا بالطمأنينة ،وتكتب وتحصر من ذكر الله بين الحين والفينة.
نعم يأتينا هذا الرجل المدعو/رمضان بتوابعه اللامحدودة ويقرينا السلام، ليعلو وينادي من المنابر ورؤوس المنازل، وحتى يترأس منارات الشوارع، ويصدح بأفواه الطبيعة مخلّفًا أثرًا بليغًا في بواعث النفس لكل الكائنات، مرددًا أن هلمو أيها البشر، تعالي أيتها اﻷرواح لقد أتيت إليكِ بشوقٍ من الشهورِ العجاف، لقد أتيتكِ وقطعت شوطًا من أمدٍ بعيد، هو حقًا وصل بعربته الوقتية، ولكن سرعان ماتغيرت ملامحه وبدى يلوح محذرًا من تفريط الوقت مرددًا : ياقوم، ياقوم، ربما العربة ستسير بسرعة وستفوتكم مناقب الرحلة، فهيا لبّوا النداء، واستعينوا بالصبر قبل أن يفوتكم العطاء فلربما أذهب ولربما سنلتقي ولكن في عام تناقصت أشجاره، وترامت أوراقه، وضيقت أنفاسه.
تعالوا: أين المذنبين ؟أين المسيين؟ أين الباحثين؟ أين العاشقين و المشتاقين لحضرة الله؟ أين الذين جرفهم المرض والشقاء ؟ أين الذين فتكت بهم الحروب وحاكمهم الشتاء؟ أين الذين نستهم السعادة ورمت بشقائق التعب في مهب طريقهم ؟ أنا هنا أحمل لكم مؤنة صالحة ومعينة للبقاء، ففي عترتي مايسركم وما يعيد لكم بهجة اﻷرواح البائسة، أحمل لكم عطايا سماوية لا تشمها الشياطين، ولا تضع سمها في حناياها الوعائية، هلمّوا وسأهبكم مالم تهبكم إياه كل فصول السنة، فقط أقبلوا عليَّ بنيةٍ صادقةٍ، وخطواتٍ قاصدة.
أنا رمضان! لازلت أناديكم أفتش عنكم، أبحث عنكم في زواياكم ! أنا فرصة لاتعوّض ونعمة لا تحد ! أنا رمضان شهر الغفران، أنا معكم مستراح المتعبين وبالتحديد ستجدوني منتظر لكم عند الثلث اﻷخير من الليل، أطرق أبوابَ العارفين، الباحثين المتعبين، ﻷهبكم فرصةً جديدةً في الحياة، وأمنحكم ما أخذه عنكم اﻷمس، سأهبكم مصابيح رمضانية تنير شوارعكم المتعبة فتصبح مداخل ذواتكم كالنجوم المتلألئة تهدي من تصحر الضائعين وترشدهم إلى محطة الفضيلة.
هذه هي قصة/رمضان تتراءى على كوكبنا من جديد، وهاهو رمضان يهيب فينا كعادته، ويبعث لنا باقة إيمانية بإكليل الجبل النارد، ليزين به نواصي قلوبنا، و ينص على ضرورة أن نتغير ونطوي صفحة اﻷمس ونبدأ بمنهجية اليوم الرمضاني المهيب، أيضًا يقرينا السلام، ويبعث لنا رسالة تقول: تخلصوا من مساوئِ الذات واجعلوها تسجد في محرابِ الخشوع، ورددوا في محرابكم المنطفئ يا الله، فحتمًا ستتناثر كل أتعابكم كما تسقط حبات الليل المظلمة من عقد لؤلؤي حزين.
هذه كانت قصة السيد/ رمضان معنا وإطلالته علينا، ولكن يبقى السؤال طريح أمسه معزي نفسه ويبحث عن اﻹجابة !!
يا أنت ويا أنا : هل ستدوّن لك قصة مثمرة مع رمضان؟ هل ستحزم أشرعتك المحطمة لترمي نفسك عند عترته الليليّة؟ هل ستكون صريح وتعترف أمامه بكل مساوئك الأمسية؟ هل ستعقد النية وتكون بطل أنتجه رمضان؟ أم أنك فقط ستكتفي باﻹمتناع عن الشرب والطعام!! لك وحدك الخيار وعلى فكرة رمضان رغم غلو الخيار مازال يقريني ويقريك السلام وطاب معكم الختام .
.