من الكعبة إلى الكوفة ..
إب نيوز ١٥ مايو
عبدالملك سام
في أحدى الليالي ، يقف رأس الدولة ، وأهم رجل لأهم دولة في العالم في ذلك الوقت ، يقف ليصلي نافلة الليل وحيدا دون حرس .. قلبه المتعب من كثرة الهموم والمصاعب التي حاول حلها منذ الصباح من مشاكل رعيته ، ولذلك فهو لا يجد الراحة إلا عندما يخلو بنفسه ويصلي الليل ، وهو أعلم من في الأرض منذ وفاة نبيه وقائده وأبن عمه وأبو زوجته البتول ، وهو من قال عنه أنه بمنزلة هارون من موسى ، ألا أنه لا نبي بعده ..
القوم قد أعتادوا التجبر ، خاصة والنموذج الفرعوني ما يزال موجودا في الشام ، تلك المملكة التي وهبت ممن لا يملك لمن لا يستحق ، أما النموذج الذي يقدمه أمير المؤمنين علي (ع) فهو نموذج جديد عليهم ، سلطة لا خوف فيها ولا رياء ، لا مواكب فيها ولا ربوبية لغير الله ، لا قهر فيها ولا أستكبار .. ولأن الكثيرين لم يفهموا بعد قيمة العدل والحق والخير فقد اطمأنوا وأستكانوا للقعود ، بينما الشياطين شحذوا خناجر الغدر ليقضوا على هذا النموذج الذي سلبهم التكبر والتجبر والمال الحرام الذي كانوا يأخذونه دون وجه حق ..
متسلحا بالغدر ، مدفوعا بالحقد ، ومستغلا نوم الناس وغفلتهم ، أتجه الشقي ( أبن ملجم ) لينجز ما عاهد الشيطان عليه ، فهو لن يجرؤ أن يقاتل هذا الأسد الواقف في المحراب ، فقد راقبه ليال كثيرة ، وهو قد شاهد قوة بأسه وتبسمه في ميادين المعارك التي جندل فيها أقوى وأعتى الفرسان ، أذن فلا سبيل لينجز مهمته وينال ثمنها سوى أن يكمن في بيت الله ، فهو يعرف أن هدفه يكون مشغول بذكر ربه منقطعا عما دونه ، وهذا ما تاكد منه بعد أن رأه على هذه الحال ليلة بعد أخرى ..
كان اللعين أبن ملجم يتظاهر بالخشوع ليلة بعد ليلة حتى أطمئن أصحاب أمير المؤمنين لوجوده ، وفي هذه الليلة وجد الظروف مهيأة أكثر من الليالي السابقة ، لذا تحرك سريعا ليخرج سيفه من مكمنه ، وتحرك بسرعة على أطراف أصابعه ، ورفع سيفه لينهي مهمته ، مهمته التي ستظل الأمة بعدها تنحدر أيمانيا وأخلاقيا وحضاريا حتى تصل إلى أن تكون أذل الأمم على وجه الأرض ، بل تحت من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم الدين !!
الحادثة معروفة ، ودوافعها مفهومة ، فقد ضاق الباطل بعدل وإيمان علي ، وقد تضررت الأمة بأكملها مما حدث ، فلم ينجو الظالمون ، ولم يسلم الساكتون .. لقد بدأ أنحدار الأمة من لحظتها حتى وصلت إلى الوضع البائس الذي تعيشه اليوم ، ودارت المؤامرات في كل قصر لطاغية فقتل من قتل وهلك من هلك ، وكل تلك الروايات التي ملأوا بها الكتب عن الحضارات التي أقيمت وحكمت ما هي إلا حكايات لتجمل واقع الظلم الذي لحق بالناس ، فحكايا القصور والجواري والخمور والطغيان والمؤامرات أخفت خلفها واقع الفقر والقتل والظلم حتى يومنا هذا .
أستشهاد الإمام علي عليه السلام ليس قصة أغتيال سياسي فحسب ، بل هي عملية أغتيال لكل ما كان يمثله الإمام علي من قيم وأخلاق ومثل وعلم وعدل وجهاد ، ولعل ما يجعلنا نعرف أكثر عن علي عليه السلام أكثر ما نطق به بعد أستهدافه حين قال : ( فزت ورب الكعبة ) ، وهو من جعله النبي مقياسا للإيمان والحق والأمتثال بتعاليم القرآن ، وكم قيل وكتب عن الإمام علي عليه السلام الذي أعجز الظالمين الضالين الذين لاحقوا ذكره عبر كل العصور لمحو ذكره وسيرته العطرة ، فأنار ما بين المشرقين رغم أنوفهم ، كيف لا وهو وصي وخليفة وأخو وصهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبو الأئمة الأطهار ..
فسلام الله عليه يوم ولد بالكعبة ، ويوم أستشهد بالكوفة ، ويوم يبعث مع حبيبه وقائده ومعلمه محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. اللهم احشرنا في زمرتهم ، واجعلنا ممن عاش ومات على محبتهم ، وممن جاهد وأنتصر لمبادئهم .. اللهم إنا نتولاك ، ونتولى نبيك ، ونتولى إلامام علي ، ونتولى من أمرتنا بتوليهم من الأئمة الأطهار ، ونبرأ أليك من عدوك ، وعدو نبيك ، وعدو الإمام علي ، وأعداء دينك من اليهود والنصارى والكفار والمنافقين .. والعاقبة للمتقين .