هروبي إلى الحرية – ج3 – سجن خمسة نجوم!
هروبي إلى الحرية – ج3 – سجن خمسة نجوم!
إب نيوز ١٦ جمادي الأولى
عبدالملك سام
[هذا بلد لو أقيمت فيه ميزان عدل كما ينبغي لامتلأت السجون وخلت القصور] (نجيب محفوظ)
عندما قلت في مقال سابق أن المحتجزين كانوا محبوسين في “زريبة”، فقد ظن البعض أن كلامي عبارة عن مبالغة مجازية، ولكن الحقيقة هي أن القسم الذي شاهدته كان مستأجرا من قبل ورثة شخص كان يعمل قصابا (جزار)، ومدير القسم بفطنته وحسه الأمني “العالي” وجد أن المبنى الذي كان زريبة حيوانات هو أفضل مكان ليكون هو السجن! بالطبع تم تعديل المكان حتى يتلائم مع وظيفته الجديدة، ولكن سقوط الأمطار كان كافيا لصعود روائح الزمن الجميل من تحت الملاط!
دعوني أصف لكم السجن بشكل سريع حتى أضعكم في الأجواء.. السجن 9×4 متر تقريبا، بلا نوافذ، ودورة المياة بلا باب أو صنبور ماء ما يعني أن السجناء يسمعون ويشمون كلما دخل أحدهم الحمام، بل ويعرفون جيدا من يعاني من الأمساك ومن يعاني من الإسهال! والأثاث عبارة عن (موكيت) قذر يغطي نصف مساحة السجن فقط! والباب يقع في الوسط بالضبط فيه أربع فتحات طولية صغيرة هي مصدر الهواء الوحيد مما يسمح للسجناء جميعا يتشاركون التدخين كلما أشعل سجين سجارة.. أما عن الإضاءة فلك أن تتخيل أن المتوفر هو مصباح (7 وات) يتيم يسمح لك برؤية حدود الأشياء فقط وبالكاد!
وظيفة القسم هي الأحتجاز فقط، ولا يتوفر للسجين غير ذلك، فيتحول السجين الذي لا يوجد من يعتني به من خارج السجن إلى متسول لا يحصل على مأكله ومشربه إلا بما يجود به السجناء الآخرين! والمشكلة أن السجانين يتعمدون اطالة مدة الأحتجاز غير القانونية حتى لو توفرت ضمانات لخروجه، فلا هم وفروا أكل السجناء وشرابهم، ولا هم أطلقوه ليحصل على ما يحتاجه بنفسه، بالإضافة لما يعانيه بعض السجناء من البرد في ظل عدم وجود فرش أو بطانيات!
هذه المميزات “السياحية” تجعل من السجن أشبه بحفرة من حفر جهنم، ولا ينقص سوى أن ترى أحد خزنة جهنم يمر من أمام الباب وهو يقول: ما سلككم في سقر؟!.. أحد المواقف “الطريفة” التي حدثت أنهم جاءوا بسجين كانت تهمته هي أن الكاميرا المثبته أمام محله كانت مطفأة لساعات بسبب خلل فني، وعندما أستجوبوه وأخبروه أن هذا مخالف للقانون، فسألهم هو عن سبب عدم وجود كاميرات في قسم الشرطة رغم أن هذا مخالف للقانون أيضا؟! فاستشاط المحققون غضبا من رده، وأعيد للسجن حتى دفع مبلغ كغرامة (بدون سند رسمي طبعا) وأفرج عنه!
بأختصار.. السجن بلا تهوية ولا أضاءة جيدة، وبلا أثاث تقريبا، وبلا تغذية أو عناية صحية، وفوق هذا كله بلا كاميرات ولا معدات! السجن في أقسام الشرطة بلا قانون ولا أعراف تحفظ للأنسان كرامته، ويتم أحتجاز قاصرين لفترات طويلة مع سجناء بالغين ويتم تزوير أعمارهم في المحاضر حتى يتم تبرير خطيئة أحتجازهم، والأعتقال يتم غالبا بشكل تعسفي يخالف القانون، بالإضافة لبعض ممارسات التعذيب والأهانة التي يتعرض لها المحتجزين في ظروف تشبه ما يتم في المعتقلات!
كل ما سبق يتم تبريره (كله) بنقص الميزانية رغم أن هناك أجراءات لا دخل لها بالمال، ورغم أن ما يتم تحصيله من السجناء بطرق غير شرعية يسمح بتحويل السجن إلى فندق خمسة نجوم! وعلى الأقل لو أن مدة الأحتجاز وظروفة لا تتجاوز المدد القانونية لكان أحتمال هذه الظروف ممكنا رغم قساوتها ولا إنسانيتها.. ويكفينا حديث نبي الرحمة (ص) عندما قال: (ليس مني من يشق على أمتي)، ولا ننسى أن السجناء في أقسام الشرطة ليسوا سوى متهمين مهما كانت تهمهم، ولا يمكن تبرير هذه المعاملة بأنهم مجرمين حتى تتم محاكمتهم وادانتهم، فهذا حقهم.. أليس كذلك؟! ..يتبع..