السعودية.. الصراع بين هيئتين (2) الوهابيون يخيرون آل سعود: نحن أو الفوضى والدمار!.
إب نيوز 30 مايو
في القسم الأول من المقال تحدثنا عن الأسباب والتعبيرات التي دعت السعودية الى تقليص صلاحيات هيئة عامة والاتيان بأخرى على النقيض من الأولى التي تمتد مع عمر النظام السعودي والتزاوج المشؤوم بين قبيلة آل سعود والدعوة الوهابية التكفيرية.
وفي هذا القسم ـ الثاني ـ سوف نتحدث عن مخاطر الصراع بين الهيئتين أو في الحقيقة الإتجاهين المتقاتلين الذين يتمثلان في الهيئتين، والذي سيهدد برأيي كل الوجود السعودي ويفقده مميزاته “التاريخية” التي طالما تغنى بها دعاته التكفيريون، في خطوة قد تنتهي إلى موت ونهاية النظام السعودي إلى الأبد.
ومع إيماننا بأن النموذج القائم في السعودية (الوهابية ـ القبلية) انتهى زمانه منذ فترة طويلة، وأنه لايزال قائما بفعل الدعم والمساندة الأميركية والصهيونية له، لأنها لا بديل لها غير هذا الكيان المتخلف، والوجه الآخر للكيان الغاصب.. إلا أن هذا النظام غير قابل للإصلاح والسبب بسيط جدا، هو: أنه سدّ بنفسه باب التجديد والإصلاح على نفسه من خلال اعتماده أسوأ النماذج وأكثرها انغلاقا.. وليس أمام السعوديين خيار، فإما أن يبقى النظام على تخلفه وتحجره، يحكمه الكهنة وأدواتهم من المطاوعة على الصعيد الاجتماعي والقبلية على مستوى السياسة والسلطة، أو ينفتح على الثقافة الليبرالية (اجتماعيا) مما سيؤدي بالنهاية الى مطالبات سياسية.. كيف ستستجيب لها السلطة وأمامهم النموذجين المغربي والاردني الهشين؟.. علما أن المؤسسة الدينية في المغرب والاردن تختلف تماما عن وضع المؤسسة الدينية في السعودية وصلاحياتها وطريقة نشاطها.
إننا في السعودية أمام ثلاث قوى، اثنتين منها فاعلة وثالثة مهمشة الى الآن، يحاول كل من الطرفين التأثير على قرارها… علما أن القرار في المحصلة الأخيرة للقوة الثالثة التي ستهدد القوتين الاخرتين، لانها هي القوة الحقيقية… إننا في السعودية امام صراع بين:
1. المؤسسة الدينية، التي تعتبر نفسها شريكا أساسيا في السلطة وليس طارئا، لذلك هي تتحرك وتتكلم بصوت عال من منطق الشراكة مع قبيلة آل سعود، وهذه هي الحقيقة، فآل سعود إنما قتلوا الآخرين باسم الدين الوهابي، وبدون الوهابية لا يشكلون رقما في الجزيرة العربية، انما هم قبيلة بين عشرات القبائل.
2. المؤسسة السياسية وهي تحالف قبلي وظف الدين لأهدافه في الوصول الى الحكم والقضاء على التحالفات والسلطات القبلية الأخرى.
والى جانب هاتين القوتين الرسميتين المتسلطتين، هناك قوة كبيرة مهمشة ومقسمة بين ميول وانتماءات و”احلام” ورغبات متعددة هي الشعب، وهذه تتنازعها القبلية والوهابية والصوفية والعقلانية وفي العقود الاخيرة الاتجاهات التغريبية فيما تعاني شرائح كبيرة من شعور الأقليات، وبشكل عام الاتجاهات التغريبية تقوى يوما بعد يوم، لاسباب معروفة، كالتعليم والايفاد للخارج والسفر والسياحة والاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وايضا نكاية بالمؤسستين والقوتين الدينية وتزمتها وتحجرها، والسياسية وتخلفها وقمعها.
لذلك يحاول كل اتجاه الضغط من خلال الشعب لتغليب وجهة نظره، وقد لاحظنا شدة الدعاية الوهابية التي اطلقها الدعاة والمشايخ في تخويف المجتمع والسلطة من نتائج وتبعات الانفتاح الاجتماعي او مجرد الحدّ من صلاحيات المطاوعة وكانهم يضعون السلطة السعودية امام خيارين لا ثالث لهما: إما أن نكون ويكون الامن الاجتماعي (والسياسي) أو لا نكون ولا يكون هناك أمن (وبالتالي نظام !).
هذا في حين ان جيل الشباب الذي اضحى ممسكا بتلابيب السلطة في الاسرة السعودية والذي تجاوز من خلال “الجنرال الصغير” محمد بن سلمان التحالف “المقدس” بين السديريين وخاصة أسرة نايف والمؤسسة الدينية، يضغط باتجاه الابتعاد عن المؤسسة الدينية وتحويلها الى مؤسسة كنسية، يتمحور نشاطها داخل المساجد (التي قررت السلطة توحيد خطابها وخطبها يوم الجمعة في آخر قرار لضبط الانفلات الوهابي) وفي بعض المؤسسات الخدمية والارشادية.. دون الالتفات الى ان الفكر الوهاب غير مدني، وحشي، صدامي، لا يمكن تأطيره بمؤسسات مدنية، وبالتالي سوف يتسربل أتباعه الى تنظيمات سرية خارج سلطة الدولة بما يزيد من اضطراب الوضع الامني الذي يشهد في كل يوم اغتيالا لمسؤول امني ومواجهة مع دورية شرطة وصداما في مباني يتمترس بها ملاحقون أمنيون!
بالمناسبة قد يراهن البعض على العامل الخارجي في دعم السلطة والحيلولة دون تهاويها، لكن ذلك وكما اثبتت التجارب غير مضمون، فالاميركان هوايتهم التخلي عن حلفائهم وعملائهم واستبدالهم بآخرين ان استطاعوا.. وهذه يعرفها آل سعود أكثر من غيرهم.. باختصار الاميركي يبحث عن من يؤمن له مصالحه، ان كان من آل سعود أو آل الرشيد أو آل الشيخ.
ومع ما يجري، هناك حتمية للصدام بين السلطة السعودية والمؤسسة الدينية (بالطبع لا أقصد كبار الكهنة فهؤلاء دينهم وشريعتهم السلطان) او ان تتراجع السلطة وتختار النكوص عن
مشاريع العلمنة التي تقوم بها كمقدمة لمشروعها التنموي الذي يعتبر سبيلها الاوحد في البقاء والاستمرار.. لذلك نحن امام ثلاثة سيناريوهات اعتقد ان احلاها مرّ بالنسبة للسعودية:
1. صدام وطلاق بين آل سعود وآل الشيخ (الوهابيين) أي نهاية الفلسفة التي قامت عليها السلطة السعودية وبالتالي نهاية الحالة السعودية للابد.. وبداية عهد المملكة العلمانية السعودية، وهنا على السلطة أن تتهيأ للعمليات الانتحارية والقتل الذي اذاقت الشعوب الاخرة مرّه!
2. تراجع السلطة عن مشروع الانفتاح والنكوص لصالح التيار الديني، وهذا غير ممكن في ظل الظروف الحالية، إلا أن يأتي بن نايف ملكا ويتم اقصاء دائرة بن سلمان، وهو المرجح مع الانتكاسات التي واجهتها سياسات سلمان وابنه المدلل وبسبب تصاعد الاحتجاجات داخل الاسرة الحاكمة ونتيجة لعمليات الاقصاء والتهميش والطرد التي مورست بحق الرؤوس الاخرى في عائلة عبدالعزيز آل سعود.. يصاحبه انقلاب داخل الاسرة السعودية واعادة انتاج السلطة القبلية بالاعتماد على قوات الحرس الوطني التي يقودها المهمش والناقم الآخر متعب بن عبدالله.
3. الاتفاق على بعض التغييرات المدروسة على الصعيد الاجتماعي مع تحول داخل الفكر والعقيدة الوهابية او اتباع سياسة الصمت إزاء هذه التغييرات من قبل كبار العلماء (الكهنة).. هذا من المستحيلات لسببين معروفين:
الاول، أن التغيرات الاجتماعية والفكرية والثقافية، مسألة تصاعدية لا يمكن أن تقف عند حدّ معين، فاليوم قيادة السيارة ورفع النقاب غدا حرية الاختلاط وعمل المرأة و…الخ.
أما تغيير الفكر الوهابي، فهذا يعني أنك تقلع انياب الضبع وتخلع أظافره.. فهل سيبقى هذا الكائن الممسوخ “ضبعا”.. وهذا مستحيل وهابيا.