عبدالباري عطوان: انسحاب مفاجئ لجميع القوات الإماراتية من اليمن.. ماذا عن الشريك السعودي؟
إب نيوز ١٠ نوفمبر
عبدالباري عطوان:
انسحاب مفاجئ لجميع القوات الإماراتية من اليمن.. ماذا عن الشريك السعودي؟ وهل تم التشاور معه؟ وهل سيملأ الحوثيون هذا الفراغ؟ ام سيتم اعلان انفصال رسمي للجنوب؟ وما هي الأسباب الحقيقية لهذه الخطوة؟ وماذا سيترتب عليها ميدانيا؟
قبل أيام معدودة من اكمال الحرب في اليمن عامها الخامس (بدأت في آذار 2015)، ودخولها السادس، أعلنت دولة الامارات العربية المتحدة سحب جميع قواتها من اليمن، وترك مهمة القتال للجنود اليمنيين الذين دربتهم وسلحتهم، ويبلغ تعدادهم حوالي 200 الف جندي، وبعد “تحرير” 85 بالمئة من الأراضي اليمنية، حسب ما جاء على لسان الفريق الركن عيسى المزروعي قائد العمليات المشتركة الإماراتية في اليمن في احتقال بعودة هؤلاء.
هذا الانسحاب الرسمي، الذي سبق إعلانه احتفالات واسعة في وسائل الاعلام الإماراتية بالجنود الاماراتيين العائدين من جبهات القتال في اليمن، جاء احاديا ومفاجئا، احاديا لأنه لم يتم في اطار انسحاب مواز للقوات السعودية والسودانية الشريكة في التحالف، ومفاجئا لانه لم يتم بعد مرحلة من التمهيد والاعلان المسبق، ونتيجة لاتفاق سياسي دولي او إقليمي.
انسحاب القوات الإماراتية التي قال الفريق المزروعي ان تعدادها بلغ 15 الف جندي، وبلغ عدد طلعاتها الجوية 130 الف طلعة، واكثر من نصف مليون ساعة طيران على ارض العمليات، ومشاركة حوالي 90 قطعة بحرية، يعني بداية النهاية للحرب اليمينة، وانتهاء الشراكة السعودية الإماراتية، وفك “التحالف العربي” الذي يجمعهما.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة في هذا الاطار، أولها، هو عما اذا كان قرار الانسحاب هذا تم بالتخطيط والتنسيق مع الشريك السعودي في هذه الحرب؟ وثانيها، هل جاء بموافقة هذا الشريك؟ وثالثها، هل سنرى انسحابا وشيكا للقوات السعودية أيضا؟ ورابعها، ما هو موقف الحلفاء اليمنيين على الأرض، او ما يسمى بقوات الشرعية؟ وخامسها، هل هناك اتفاق سري جاء هذا الانسحاب في اطاره؟ وسادسها، ما هو مصير حلفاء الامارات في الجنوب اليمني، و هل يستطيع هؤلاء الحفاظ على وجودهم، وهل سيعلن المجلس الانتقالي الانفصال بعدن عن اليمن مثلا؟
من الواضح ان قيادة دولة الامارات التي اعترفت بمقتل 108 عسكريين، ولم تكشف عن أعداد الجرحى، ارادت تقليص الخسائر، وحماية امنها بشقيه المحلي والقومي، و”ترطيب” العلاقة مع ايران ومحورها، والاستجابة لمطالب شعبية ترى في مشاركتها في هذه الحرب خطأ استراتيجيا لان فرص نجاح الحل العسكري باتت صعبة، ان لم يكن معدومة، وعدم وجود نهاية وشيكة في الأفق.
المسؤولون الاماراتيون كانوا يقولون في بداية هذه الحرب انهم يخوضونها لمواجهة ايران وتمددها في المنطقة، وليس من اجل عودة الشرعية الى اليمن مثلما كان يقول حلفاؤهم السعوديون، فعلاقاتهم مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، رمز هذه الشرعية، كانت متوترة طوال السنوات الخمس الماضية، ولكن النفوذ الإيراني في اليمن لم يتراجع، ناهيك عن كونه لم يهزم، بل يزداد قوة ممثلا بحركة “انصار الله” الحوثية وحلفائها التي باتت تسيطر على العاصمة صنعاء والشمال اليمني، وتتمدد شرقا وجنوبا، وبدعم من الحليف الإيراني سياسيا وعسكريا.
هجوم حركة “انصار الله” الحوثية وحلفائها بطائرات مسيرة وصواريخ كروز على منشآت أرامكو في ابقيق وخريس، عصب الصناعة النفطية السعودية، وتدميرها كان نقطة التحول الرئيسية التي دفعت بالإمارات الى اتخاذ قرار الانسحاب من اليمن، وارسال وفد امني الى طهران لتحسين العلاقات، وفتح السفارة الإماراتية في دمشق، أي تخفيف حدة العداء مع دول محور الممانعة.
القيادة الاماراتية توصلت الى قناعة راسخة، حسب مصادر خليجية، بأن التحالف السعودي الاماراتي لن يكسب الحرب في اليمن، وان هذه الحرب تحولت الى استنزاف مالي وبشري، وان حلفاء ايران، أي الحوثيين، يزدادون قوة يوما بعد يوم، واذا كان بإمكانهم قصف الرياض وابها وابقيق وجيزان ونجران بصواريخ دقيقة، فانهم يستطيعون أيضا قصف دبي وابو ظبي بكل سهولة، وتدمير الاقتصاد الاماراتي الذي يواجه حاليا صعوبات كبيرة، خاصة ان معرض اكسبو الدولي سيعقد في تشرين اول (أكتوبر) المقبل في دبي.
تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر يوم الخميس الماضي، واكد ان دول الخليج الست ستواجه الإفلاس بعد 15 عاما، نتيجة انخفاض استهلاك النفط وتراجع الودائع، والتخمة في الأسواق العالمية بسبب النفط الصخري، مضافا الى ذلك وفرة مصادر الطاقة البديلة وحلول السيارات الكهربائية مكان تلك التي تعمل بالبنزين والديزل عام 2034، هذا التقرير كان إنذارا لدول الخليج بأن مرحلة الرخاء والدولة الريعية في طريقهما الى الانقراض، وبشكل متسارع، ولا بد من وقف الهدر المالي، و البحث عن بدائل للعوائد النفطية وابرزها فرض ضرائب باهظة على المواطنين.
يبقى سؤال أخير تتفرع عنه أسئلة أخرى لا يمكن تجاهلها، وهو عن حال اليمن بعد الانسحاب الاماراتي، فهل سينجرف نحو التقسيم، وتثبيت الامر الواقع على الأرض، في إعادة غير مباشرة لعودة السلطنات، واستبدال السلاطين بأمراء الحرب؟ ام ان الطريق سيكون مفتوحا لحركة “انصار الله” لاستعادة معظم الأراضي اليمنية، ان لم يكن كلها لسيطرتها، خاصة انها تحقق انتصارات في جبهات نهم ومأرب حاليا، وأخيرا ماذا عن التعويضات المالية لضحايا هذه الحرب من اليمنيين؟
هذا الانسحاب الاماراتي يعني انهيار “عاصفة الحزم”، وفشلها في اليمن وقبل دخول الحرب عامها السادس بأيام، الامر الذي سيكون نقطة تحول في المنطقة بأسرها لما يمكن ان يترتب عليه من تبعات استراتيجية إقليمية.. والله اعلم.
“راي اليوم”