جدلية الضحية و الجلاد

 

إب نيوز ١٤ فبراير
د/تقية فضائل

تسير بنا الأقدار في دروب الحياة لترسم قصصاً مختلفة خطوط سردها وشخوصها والدور الذي نلعبه فيها، فأحياناً يكون دور البطولة من نصيبنا في حيز ضيق من حياتنا فنسير دفة الأمور كيفما تمليه علينا قدراتنا وضمائرنا وثقافتنا،وأحياناً كثيرة جداً نمثل دوراً هامشياً ﻻ حول لنا فيه وﻻ قوة إلا أننا نكمل فيه مشهداً من مشاهد الحياة ليحيا غيرنا دور البطولة ، ونكون نحن مجرد أداة وسلماً يصل من خلالهما لما يريد ، ودور الضحية هو أسوأ الأدوار الهامشية على الإطلاق ؛ فهو يجعل الإنسان يعيش مأساة مؤلمة من مآسي الحياة ، تختزنها ذاكرته بعيدة المدى لتوجه سلوكه المدمى بالظلم والقهر والحسرة.

ومن نمط هذا الدور القاتمة ظلاله إنسان يستهدف في أخلاقه وقيمه ومشاعره وأحاسيسه من أجل شخص آخر يطمح للنيل منه لأمر ما يصب في صالحه أو لمجرد التسلية واللهو به أو لأي سبب آخر ، وكل هذا في الحقيقة يعود إلى أن صاحب الذات المتضخمة يرى أن من حقه العبث بحياة الآخرين وتسييرها بحسب مصالحه ورغباته و من أجل إرضاء الأنا المتخمة بالأنانية والتسلط ، وهو ﻻ محالة سيسلك كل السبل ؛ ليصل إلى أهدافه، مهما كانت التكلفة التي سيدفعها الآخر في سبيل ذلك ضارباً عرض الحائط بكل قيمة أو خلق يردعه عن هذا العمل المشين ، وغير آبه بما سيعانيه الضحية في حياته جراء ما أقدم عليه ، وتبدأ فصول الحكاية بحيل دنيئة تحاك بإتقان حول الضحية يسهل من خلالها دخول عالمها الخاص واقتحام ما ﻻ يحق لأحد أن يلجه في حياتها أوفي خبايا نفسها ، فيما تكون الضحية في غفلة عما يدبرلها.

ويبدأ المشهد التراجيدي باختراع البطل المتضخم الأنا الأسباب ليفتح مع ضحيته مجالاً للتعامل ، ويستمر في إبداء حسن النية ، ويقدم الخدمات السخية ، وهكذا شيئاً فشيئاً حتى تثق به،وتصبح فريسة سهلة ،وﻻ تلبث إﻻ يسيراً حتى تستجيب للجلاد الذي يخفي سوطه مؤقتاً ، وقد تندفع الضحية بمشاعر وأحاسيس ومواقف صادقة تجاه الآخر وتلتبس عليها الأمور ، وقد تصل إلى درجة الإخلال بما لم تتصور في يوم من الأيام إنها ستتهاون به أو تسمح لأحد أن يمسه من قريب أو من بعيد، وتمر أوقات وأوقات وتكون الحيرة والقلق وسوء التصرف هي الطابع المهيمن على حياة الضحية، كما تكون في حالة من استلاب الإرادة والقرار فتسارع في تلبية ما يطلب اليها تحت تأثير التصديق أو الانخداع أو بدافع المشاعر المزيفة ، وقد تطول المدة وهي على هذا الحال من التخبط وعدم القدرة على التمييز، ومع ذلك من المؤكد أنها ستفيق حتما من هذا الوضع الشبيه بحالة من وقع تحت تأثير مخدر عميق الأثر، ولكن هذه الإفاقة لن تكون إلا بعد أن تتلقى الضحية صفعات مؤلمة ، وتجد من المواقف والكلمات الجارحة ما يحفر في عمق النفس أخدوداً من الحزن والأسى والجراح التي تنغص حياتها على مر السنين.

إن كانت الضحية قد عاشت هذا الموقف بكل تناقضاته وقد سهّل الإيقاع بها ، فهذا يكشف بالتأكيد عن تصدع في نسيج النفس وتحصيناتها ولوﻻ هذا التصدع لما استطاع أحد اختراق ذاتها واللهو بها ، وكثير من الضحايا الناجيين بأقل الخسائر يعود لترميم ذاته وتحصينها ويبقى على أهبة الاستعداد لمواجهة مزيد من الجلادين .

إن جدلية الضحية والجلاد جدلية من جدليات الحياة تحكي الكثير من ظلم البشر والصراع المرير من أجل البقاء الكريم والإرادة الحرة.

You might also like