لماذا غُيِّبت الزهراء؟!
إذا كان الأُستاذ العقاد يقولُ في كتابه فاطمة الزهراء والفاطميون: “في كلِّ دين صورة للأنوثة الكاملة المقدَّسة، يتخشَّع بتقديسها المؤمنون، كأنما هي آية الله فيما خلق من ذكرٍ وأنثى، فإذا تقدَّست في المسيحية صورةُ مريم العذراء، ففي الإسلام لا جَرَم تتقدّس صورة فاطمة البتول”، فلا أجد ما يسوّغ أو يبرِّر لواضعي الاستراتيجية التربوية في اليمن تغييبَ فاطمة الزهراء عن المناهج التربوية في التعليم الأساسي والثانوي والجامعي طوال عقود ماضية غير الخضوع والانسياق لما تمليه الرغبات الخارجية التي ترى في نموذج الطهارة والعفة خطرا يوجب إخراجَه من مناهجنا.
بصراحة لا أستطيع أن أفهمَ أنه لا يوجَد درسٌ واحد في دروس التاريخ ولا التربية الإسلامية ولا العربية ولا الوطنية والاجتماعيات في مناهج المدارس التربوية؟! إلا بأنه؛ بسَببِ استلاب القرار التربوي والسياسي بل والسيادي للبلد من قبل أنظمةٍ تدين بالولاء لليهود والنصارى المعتدين وأوليائهم المنافقين.
لقد تم التغييبُ المُمَنْهَج والمتعمَّد لنموذج فاطمة الزهراء، وكان هذا أحدَ تطبيقات استراتيجية التجهيل لشعبنا ونسائنا، غيَّبوها في المناهج، وغيّبوها في المؤلفات، وفي الصحافة، وفي الحلقات، وفي خطب الجمعة، والمناسبات، ليس هذا في اليمن فقط، بل في مختلف الشعوب الإسلامية والعربية.
والخطورة أنهم غيَّبوها عن نصف مجتمعنا والذي يتحكم في النصف الآخر تربية واتجاهاً، غيَّبوها وهي سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمة، ولا أدري ماذا سيكون حال هؤلاء النسوة وهن لا يعلمن عن سيدتهن إلا ما بقي من قصص وأمثال وعبارات ورثْنها عن الأمهات والجدات مما شذ وندر وضمن دوائر اجتماعية ضيّقة.
إلى أين ستتجهُ هذه المرأةُ التي غرسوا فيها مثل الرجل حب المال والجاه والشهوات أوَّلاً وقبل كل شيء، وقد صوروا لها النجاح في تحصيل الأموال وإحراز الوظائف ولو على حساب وظيفتها الأساسية، وأقنعوها أن مشاركتها للرجل هي أن تكون ذات وجه جميل وصوت رخيم تزاحم الرجل في المكاتب والمقرات، وتضفي على جوها طابعَ الرومانسية واللطافة، وغير ذلك من الأعمال غير المنتِجة ولا المفيدة، بينما أوهموها أن التخلُّفَ هو ما كانت تقومُ به من مشارَكةِ زوجِها المشاركةَ المنتجةَ في فلاحة الأرض، وتنمية المواشي، وغير ذلك مما يعود بالفائدة على الأسرة والمجتمع كما تحدَّث عن ذلك الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في ملزمة (لتحذُن حذوَ بني إسرائيل).
للأسف غيَّبوها وهي التي أحضرها القرآنَ الكريم، وكرِهوا وجودَها وهي التي كان يشتاقُ النبيُّ إلى محضرِها ورائحتها، غيَّبوها نموذجا ومثالا فحضرت أمثلة الانحراف، ونماذج الاتَّساخ، غيَّبوها علما ومعرفة وشجاعة وجهادا لتكون المرأة هي المفتونة بإبراز محاسنها لذئاب البشر، ولصوص الشرف، غيَّبوا كمالاتها الفطرية والإنسانية لتكون المرأة الصالحة هي امرأة ليلة الجمعة، على حدِّ وصف الدكتور شريعتي، والتي لا تعني شيئا للرجل إلا في تلك الليلة، بينما تقضي بقية وقتها الطويل في القيل والقال، وزراعة النمائم وحصد الشقاق والطلاق في المجتمع.
غيَّبوها عن الواقع الحضاري الأصيل لتحضُر أنواعٌ مختلفة من النساء، أكثرها رواجا تلك المرأة المسلَّعة جنسياً بغرض الربح المادي، وتهييج السعار الحيواني، وإفساد الحياة الاجتماعية للشعوب المسلمة، والزج بها في أسواق الرذيلة والتفسخ الاجتماعي.
وتتحمَّل مجتمعاتنا الإسلامية بما فيها النخب الدينية جزءا من هذه المسؤولية التقصيرية، حَيثُ خلطت فهما إسلاميا بآخَرَ من العادات والتقاليد، وجعلوا كل ذلك دينا يدينون الله به، فحُرِمَت المرأة من حق التعليم، حتى إذا أوجدوا هوة واسعة بين جيلها القديم والمعاصِر وصل المجرمون المنحرِفون إلى بعض النسوة لاستغلال ردة فعلها المندفِعة والدفع بها في الاتجاه السلبي وبما يخدم أعداء الإسلام.
وكانت نتيجة ذلك الإفراط والتفريط أن تَقَزَّم دورُ المرأة في شراكتها مع الرجل في صنعِ وخلقِ الحياة الجادَّة، ومظاهرِها الواعية والملتزِمة، وانخفض سقف طموحات البعض منهن إلى مستوى سحيق، أو شطحت طموحات البعض الآخر، وانحرفت إلى مساراتٍ مغايرة للفطرة الإنسانية وتعاليم الدين الحق؛ الأمر الذي انعكس سلباً على أداء المجتمع لوظائفه التي ينبغي أن يقوم بها.
لهذا لا مناصَ من العودة إلى الأصالة الإسلامية لمواجهة التحديات الراهنة بوعيٍ وبصيرةٍ، وإدراك لطبيعة الصراع والتفاعلات الحضارية.