طفولتي والحرب .
إب نيوز ٢١ فبراير
خولة العُفيري
“دُميتي” الفاتنة التي كانت تفتنني عندما أنظر إليها سلبها الحرب مني، واليوم يكتسيني الحزن وهي تحت الأنقاض، لم أستطيع رؤيتها مجدداً وقد دفنها سقف منزلنا ذات ليلة.
نعم سلبت الحرب مني اشياء لايمكن استرجاعها، سلبت مني اشيائي الجميلة، بدايةً من “طفولتي” التي لم أحمل منها سوى أمنياتي وأحلامي التي كنت أتتوق لليوم الآتي أن تصبح واقعاً عندما اكبر في يوم ما.
سلبت مني صديقاتي، كُتبي، مدرستي وكل شيء أحبه تلاشى بوجودها وتدمر رويداً رويداً وأمام عينايّ.
سلبت مني عائلتي التي كانت تجمعني بهم مائدة طعام واحدة، واليوم تجمعني بهم موائد الدماء.
تبعثرت أوراق كتبي وأنا لا أستطيعٌ جمعها، فصديقاتي التي لم تستطيع معلمة “الصف” أن تفرقني بهم لحصة واحدة؛ أستطاعت غارة نتنة أن تفرقنا إلى الأبد.
مدرستي التي أحتضَنت مواهبي وكنت أصنع طائرة ورقية بأوراق ملونة، طائرة آمل أن تطير يوماً ما بأحلامي وترتفع بنا عالياً، لكن بالمقابل اتت طائرة العدوان لتطاير احلامي من الوجود بشرارت عتوها، فهدمت مدرستي وطيّرت اشلاء زميلاتي وبعثرتها في كل الأرجاء.
والدي الذي لم يفارقني للحظة، يداعبني تارةً ويلاعبني ويمسك بيدي تارةً أخرى، نذهب معاً لشراء حاجياتنا.
يقرأ لي رواية قبل نومي عن ذلك البطل الذي ذهب لمقارعة الأشرار ولم يعود، وما علمت بأن أبي سيصبح بطل الرواية التي تعنونت بذهابه بلا عوده.
حتى الحساء اللذّيذ الذي كانت تعده لي امي لأتناوله كل ليلة، اصبحتُ لاأتناوله الا بضع مرات لعدم توفر مكوناته، وأزمةٌ أخرى في إسطوانة “الغاز” والذي لا يتوفر الحساء الا بتوفرها كما أخبرتني أمي.
كما ان الحرب غيرّت والدتي كثيراً، فعندما أتكلم عن الخروج من المنزل ذاهبةً الى رحلةٍ ما، ترفض بإستمرار قائلة عند ذهاب “الحرب”!!
و الآن أدركتُ “لما لا!”، لا لأنهُ بالقرب منّا، ذهب كوكبة من طلاب الحي الى رحلة ولم يعودوا منها، ولأنهُ إذا خرجنا من منزلنا سنموت في الطريق او تسرق الحرب منزلنا كما سرقت منازل جيراننا بنيرانها.
اتساءل لما كل هذا الحقد من الحرب علينا؟ ماذا جنينا لتصنع بنا كل هذا!! لماذا أتت ومتى سترحل!!
مرت الايام ونحن ننتقل من منزل إلى منزل اخر لا نجد فيه الحرب، ولكنها في كل منزل.
لتذهبي ايتها الحرب، لتذهبي بعيداً فأنا أكرهك، فقد سلبتِ ابي مني.
لتذهبي بعيداً فلقد إشتقت إلى دُميتي الفاتنة وحسائي اللذيذ.
لتذهبي وتعود الي دُميتي وإبتسامتي المسروقة مني منذُ قدومها في يومها الأول والى هذا اليوم، الذي لم يبقَ شيء جميلاً الا وكان محوره الخوف علينا من الحرب.
كما ان لدي إحساس بأن ذلك سيتحقق قريبإً ستذهب الحرب بعيدا، بعد أن يتم دحر الأعداء ويتم تحرير كامل تراب الوطن من رجس الإحتلال.