جمعة رجب وهويتنا الإيمانية .
إب نيوز ٢٥ فبراير
عبدالملك سام
لعل البعض يعتبر أن دخول اليمنيين في الإسلام بسرعة يعتبر قرارا غير مفهوم، ولكن بمعرفة الأسباب سيزول هذا العجب تماما. لقد كان اليمنيون ينتظرون هذه الرسالة منذ عصور! نعم، والدليل على ذلك ما بشر به ملك اليمن سيف بن ذي يزن جد الرسول عبدالمطلب من أن أبنه هو النبي الذي ينتظره اليهود، حيث كان أهل اليمن يملكون علوم خاصة بهم أستقوها من أرثهم الحضاري الكبير، والمراجع التاريخية تؤكد أن نزوح قبيلتي الأوس والخزرج إلى المدينة كان بغرض مناصرة هذا النبي، وهو ما يبرر أيضا أستيطان اليهود في تلك البقعة من الجزيرة، بمعنى أن اجابتهم لرسالة النبي لم تكن صدفة أو بجهل، بل على العكس كانت أستجابة لدعوة طالما أنتظروها عبر الأجيال، وهو ما جعلهم يحتفلون بأول جمعة في شهر رجب تقديرا ليوم منتظر لنعمة طالما ترقبوها، وكم كانت سعادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المناسبة.
الإيمان يمان.. فقد توافقت الهوية الإيمانية مع مبادئ الدين الإسلامي، ولذا فقد كانت الإستجابة للتشريعات الإلهية سريعة، بعكس ما حصل في مكة التي كانت هوية معظم ساكنيها قد تعرضت لتشويه كبير نتيجة أنتشار الظلم والفساد الأخلاقي، وهذا ما جعل المدينة المنورة وبلاد اليمن تتشرف بأحتضان الدعوة الإسلامية في بداياتها، ويكون لأهل اليمن ذلك الدور العظيم في مناصرة وأنتصار الدين، فهوية أهل اليمن كانت تتوائم مع الشريعة الإسلامية بما جعل أهل اليمن يقرنون مع الإيمان، ويستحقون عن جدارة لقب الأنصار.
جمعة رجب هي مناسبة لإحياء هذه الهوية الإيمانية التي يحتفي فيها اليمنيون برحمة الله المهداه، وقد عرف اليهود هذا بحكم خبرتهم المتراكمة الخطيرة، لذلك اوعزوا لأدواتهم الوهابية بأن يهاجموا هذه الذكرى تحت مبررات ما انزل الله بها من سلطان، وإن أعتمدوا في ذلك بأن يلووا بها ألسنتهم لتظهر وكأنها من عند الله! فاليهود الحاقدين على الرسول وأنصاره عرفوا خطورة أهل اليمن على مشروعهم الشيطاني الذي يستهدف البشرية جمعاء، وأمام خططهم لإفساد كل الشعوب كان يجب عليهم أن يتخلصوا من الخطر الأول والأكبر على مشروعهم، ألا وهو الإسلام الحنيف، والعقبة الرئيسية كانت تتمثل بأهل اليمن الذين نكلوا بهم وبمشروعهم عبر الأزمان.
هويتنا تعني قوتنا.. فكل شعوب العالم التي فقدت هويتها كان يسهل دوما أحتلالها والسيطرة عليها، والتجربة أثبتت هذا، لذلك تم أستهداف هوية اليمنيين عبر أتجاهين يبدوان مختلفين، ولكنهما في الحقيقة يمثلان مشروعا واحدا..
الاول هو تدمير الهوية تحت غطاء ديني، وهو ما تمثل بذلك الدعم السخي للوهابية في اليمن، وهي دعوة لم تفرز إلا التشرذم وأنهيار تام للعلاقات في المجتمع اليمني، وبدأت تظهر لنا بعض المظاهر التي لا تمت لمجتمعنا وقيمه بأي صلة، فظهر شباب يتشبهون بالأفغان، وأنتشر الرياء، وأنتعش الفساد، وأزداد النفور من الدين، وسقطت المروءة والترابط الأسري، وكثرت النزاعات، وأفتقد الأمن والسكينة، وغيرها من المظاهر التي لم يعهدها اليمنيون من قبل ظهور هذه الجماعات في اليمن السعيد، والملاحظ أنهم رغم ادعائهم محاربة الخرافات أنها ازدهرت في عهدهم، ولم يسجل عبر تاريخ هؤلاء أي انجاز علمي او حضاري او قيمي، بل العكس صحيح.
أما الأتجاه الثاني فكان في ظاهره نقيض للأول، وفي حقيقته كان مكملا له، وقد تمثل في الأتجاه نحو الإنحلال الأخلاقي تحت مبرر “الحضارة” والرقي! وهذا التوجه كان صعبا في ظل وجود الألتزام الديني والاخلاقي الذي عرف به اهل اليمن، فأنتشر الفساد في معظم البلاد العربية والإسلامية ولكن تأثيره كان طفيفا في بلد الحكمة والإيمان، ولكن مع تغلغل الوهابية التي استهدفت الهوية الإيمانية لهذا الشعب فقد وجد الاعداء ثغرة للولوج للمجتمع اليمني الكريم، ووصل بهم القبح لنشر تجارة الخمور وأنتشار شبكات الدعارة والثقافات المغلوطة التي أدت كسابقتها لأنتشار النزاعات والأنحلال الاخلاقي وتغيير نمط المجتمع والكراهية لكل ماهو يمني خاصة في اوساط الشباب، وأرتبط هذا الانحلال ايضا بظهور آفات اجتماعية لم يعهدها الشعب اليمني من قبل، كما اختفت الكثير من القيم مثل الصدق والأمانة والوفاء والحمية والترابط …..الخ.
هذا كله أدى في نتيجته ما رأيناه من أنعدام الوطنية لدى الكثيرين الذين رأيناهم يخونون بلدهم دون ان أي تردد، وهذا ما جعلنا نجدهم يعملون على نهب وسرقة وتدمير مقدرات هذا الشعب دون مقاومة تذكر. وبرغم ثقافة الفساد والنفاق التي نخرت في المجتمع، ولكن أثبت صمود الشعب اليمني أنه شعب كريم يرفض كل هذه المظاهر الفاسدة، وان أصالته وأرتباطه بهويته وأخلاقه هي حصن قادر على حماية البلد وأسقاط جميع مشاريع الظلم التي تهدده او تهدد أمته العربية والإسلامية.
إن أرتباطنا بهويتنا الأصيلة أكثر كفيل أن يغير واقعنا ومستقبلنا، لنعود كما أراد الله لنا خير أمة أخرجت للناس، لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولتصل رسالة الإسلام كما اوصلناها فيما مضى إلى كل أصقاع الأرض، فقد أستطاعت الهوية الإيمانية لشعبنا اليمني العظيم أن تؤثر في شعوب أخرى حول العالم وتغير واقعها إيجابيا، وحان الوقت لنعود كما قال عنا النبي التهامي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : الإيمان يمان والحكمة يمانية.