السلاح الأمضى لحسم الصراع بين الحق والباطل .
إب نيوز ٢٨ فبراير
عبدالملك سام
شهد العالم الكثير من التطور في صناعة الأسلحة المختلفة عبر العصور المتعاقبة، وكان لهذا التطور آثاره على الحروب من حيث الخطط العسكرية وتكتيكات المعارك وعدد القتلى وحتى أزياء المتحاربين، ولكن تبقى العقيدة ومعنويات المقاتل ذات تأثير كبير على نتائج المعارك، لذلك أحتلت الحرب النفسية حيزا كبيرا من أهتمام الأكاديميات العسكرية حول العالم لما لها من تأثير بالغ الأهمية.
الصراع العربي الإسرائيلي هو أحدى الساحات التي شهدت أستخدام الحرب النفسية بشكل غير مسبوق، فقد أعتمد العدو الإسرائيلي تلك الأساليب منذ البداية عن طريق أرهاب الشعب الفلسطيني بطرق وحشية فاقت ما عمله الأحتلال الأمريكي بالهنود الحمر. لقد تعمد الإسرائيليون أن يكون الأرهاب المتوحش صادما للمقاومين في فلسطين حتى تسهل هزيمتهم فيما بعد. ثم سرعان ما ادرك الصهاينة أن الخطورة تكمن في تحرك الشعوب العربية التي لابد أن تتحرك أذا ما تخلصت من الأستعمار الذي كان يجثم على المنطقة من قبل عدة دول أوروبية.
هذا الأمر جعل الصهاينة يحركون سلاحهم النفسي ضد الشعوب العربية قبل أن تتحرك، واليهود يعتبرون أساتذة في هذا الجانب نظرا لخبرتهم الدينية التي ظلوا يختزلونها لآلاف السنين، وهم يعرفون كيف يديرون المؤامرات التي أشعلت الحروب في مناطق عدة في العالم، ويعتبرون أنفسهم سادة المؤامرات عبر التاريخ رغم قلة عددهم، فقد تسببوا في هلاك ملايين البشر الذين انطلت عليهم تلك المؤامرات، بينما كان اليهود يحصدون الثروات من كل الجهات.
خطورة هذا الأمر تكمن في أن المعركة قد تكون محسومة قبل أن تبدأ حتى، فعندما اجتاح المغول بغداد كان التشوه في العقيدة قد وصل مداه، لذا لم يتم الدعوة من قبل أحد للجهاد! وهذا ما حدث أيضا في مناطق أخرى تعرضت فيه الشعوب للغزو الفكري عبر التاريخ فسقطت بشكل دراماتيكي وغير متوقع مهما كان التباين كبيرا بين عدد المهاجمين وعدد المدافعين. وكلنا نتذكر كيف هزمت الجيوش العربية امام العدو الإسرائيلي وحلفائه رغم عدالة القضية! لقد كان العدو متأكدا بأنه نجح في هزيمة هذه الجيوش نفسيا قبل بدء الحرب العسكرية.. فكيف فعلوا ذلك؟
كانت البداية عندما قامت بريطانيا بزراعة كيان عقائدي آخر في الجزيرة العربية، هذا الكيان الذي أعتمد في تركيبته على عنصرين رئيسيين هما أسرة آل سعود ومحمد عبدالوهاب، وكلاهما مغيب التاريخ وقد كتب الكثير عن أصولهم في عدة أبحاث ودراسات. كان الهدف الرئيسي من زرع هذا الكيان الجديد هو ضرب العقيدة الإسلامية التي لم تكن في افضل أحوالها في حينه، والسيطرة على الكعبة المشرفة والمدينة المنورة لما لها من قدسية لدى المسلمين الذين يمثلون الخطر الرئيسي على المخططات الإستعمارية في أهم مناطق العالم وأغناها بالثروات، وكما قلنا سابقا فاليهود يملكون خبرة كبيرة في حبك المؤامرات وأدارة الصراعات، وهم من خلال هذه الخبرة عرفوا سر قوة الإسلام في اجهاض أي مشروع أستعماري يستهدفهم، لذا كان لزاما عليهم أن يعملوا على تشويه العقيدة الصحيحة لهذه الشعوب ليسهل عليهم أكمال مخططاتهم.
الدارسون لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي يعرفون جيدا أن الجيوش العربية التي واجهت إسرائيل كانت تعاني من خلل وتباين في رؤيتها لهذا الصراع، وكان التواجد الوهابي وممارساته في قلب هذه الجيوش مما أثار أستغراب الكثيرين ممن درسوا تلك الفترة من الصراع، وقد أستمر تأثير هذه الهزيمة لعقود طويلة خاصة بعد أن قام السادات بأجهاض فرحة العرب بعد حرب اكتوبر وأنكسار إسرائيل في سيناء، حيث عقد اتفاقية سلام منفردة مع الكيان الإسرائيلي لينهي بذلك أحلام الوحدة التي كان يبشر بها سلفه المغدور جمال عبد الناصر.
لاحت بشائر الأمل بعد تلك المرحلة المليئة بالخيبات عندما قام ثلة من المجاهدين بهزيمة إسرائيل في جنوب لبنان، عندها أدرك العرب والعالم ما يمكن لمجموعة قليلة تحمل عقيدة صحيحة أن تفعل، لقد كسرت هيبة الجيش الإسرائيلي الذي كان يعربد في المنطقة دون رادع أمام مجموعة صغيرة من المقاومين المخلصين رغم فارق التسليح الكبير. ولنا أن ندرك سبب قيام بعض الأنظمة العربية العميلة منذ ذلك الوقت بالتآمر على حزب الله الذي أرغم إسرائيل على الأنسحاب من جنوب لبنان، ولنا أيضا أن ندرك لماذا قامت هذه الأنظمة بمحاولة حرف بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي نحو الجمهورية الإسلامية في إيران التي ساندت تحرك كل حركات المقاومة ضد المخططات الإستعمارية في فلسطين وما حولها، لقد كانت المواجهة تتجه نحو أن تزداد وضوحا منذ الثورة الإسلامية عام 1979م وصولا لما أصبحت عليه اليوم من أصطفاف واضح بين محورين، محور المقاومة ومحور التواطؤ والعمالة..
الثورة الإسلامية في إيران أسقطت حكم الشاه العميل للغرب، أندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، إنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، أندلاع المقاومة العراقية ضد الغزو الأمريكي المباشر، فشل إسرائيل في هزيمة المقاومة الفلسطينية في غزة، أنكسار ما سمي حرب الوكالة المتمثل بكيانات وهابية في سوريا، أنكسار وكلاء أمريكا في العراق، أجهاض هيمنة أمريكا وادواتها في اليمن.. هذه المعارك التي لم تكتمل معظمها بعد مثلت نقلة هامة تؤسس لهزيمة كبرى لكل دول الأستكبار والأحتلال خاصة أمريكا وإسرائيل بما ادت أليه من نتائج هامة لعل أهمها إبراز الدور الهام للعنصر البشري المتسلح بالإيمان في حسم هذا الصراع، ومع أندلاع أي معركة كان هذا العنصر يزداد قوة وخبرة، وهو ما يؤكد صوابية توجه محور المقاومة للإعتماد على هذا السلاح المهم بجانب الأهتمام بباقي العناصر لحسم المعركة.
نلاحظ خلال الاعوام الأخيرة أن سلاح الإيمان هو السلاح الأمضى في هذه المرحلة، فمهما كان العدد والأسلحة قليلا نسبيا في هذه المعركة فأن بقدرة الإيمان الصحيح أن يضاعف تأثير هذه الإمكانات لتصبح اكثر قوة وفتكا، وهذا الكلام ليس نظريا بالرجوع للنتائج التي تحققت في عدة جبهات بالمنطقة، لذا فنحن نستطيع أن نقول لأول مرة منذ عقود أن ما يحدث هو معركة النصر النهائي على قوى الشر في المنطقة. نعم، انها معركة النصر والحرية والأستقلال، وآن الآوان لنا أن نترقب نهاية هيمنة أمريكا وإسرائيل في المنطقة وما سيليها من أنهيار لقوى الأستكبار والأحتلال في العالم ككل.. آن الآوان لنا ان نتحرر وننهي عقودا من الضلال والتضليل، لتنعم منطقتنا بالعزة والكرامة والحرية بعد أن عانت ردحا من الزمن تحت تسلط الظلم والقهر والإستعباد.. وما النصر إلا من عند الله.