عطوان: أمريكا تعترف بهزيمتها وترفع راية الاستسلام بتوقيعها اتفاق الدوحة للسلام في أفغانستان؟
Share
إب نيوز ٢٩ فبراير
عبدالباري عطوان:
أمريكا تعترف بهزيمتها وترفع راية الاستسلام بتوقيعها اتفاق الدوحة للسلام في أفغانستان؟ طالبان تحتفل وتستعد لإقامة امارتها الإسلامية مجددا.. هل سيتعظ العرب من هذا الدرس الطالباني؟ وكيف تحقق هذا الانتصار التاريخي؟
توقيع اتفاق سلام في الدوحة اليوم بين الحكومة الامريكية ممثلة بمايك بومبيو، وزير الخارجية، وحركة طالبان ونائب رئيسها الملا عبد الغني برادر، يعني اعتراف إدارة الرئيس دونالد ترامب بالهزيمة، واحتفال الحركة الطالبانية السلفية بتحقيق الانتصار بعد مقاومة شرسة استمرت 18 عاما، والاستعداد لإعادة بناء امارتها الإسلامية الأفغانية في كابول للمرة الثانية، ونيل الاعتراف الدولي بها هذه المرة.
الاتفاق الذي تصفه الإدارة الامريكية بأنه “تاريخي” هو بمثابة ورقة التوت، لتغطية الهزيمة، والخنوع لمعظم، ان لم يكن كل، شروط الطرف المنتصر، أي حركة طالبان، التي كانت هذه الإدارة، وكل الإدارات التي سبقتها، ترفض التفاوض معها باعتبارها حركة إرهابية، وسبحان مغير الأحوال.
***
بنود اتفاق الدوحة ما زالت غامضة، وما تسرب منها حتى الآن بإعلان حالة من التهدئة، لتأمين انسحاب 13 الف جندي أمريكي بشكل متدرج من أفغانستان، وتوقف حركة طالبان عن تقديم أي دعم للجماعات الارهابية غير الأفغانية، في إشارة الى تنظيم “القاعدة”، وفتح حوار بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية التي، ويا للمفارقة، لم تكن ممثلة في حفل التوقيع، مثلما جرى تغييبها بالكامل عن جولات المفاوضات، وذلك للتوصل الى تسوية سياسية تنتهي الحرب الاهلية، فهكذا تعامل امريكا عملائها، أي الاحتقار الكامل.
حركة طالبان اذلت أمريكا بصمودها، وقتالها الشرس، ونفسها الطويل، سواء في ميادين المواجهة، او على مائدة المفاوضات، واختراقها للقوات الامريكية والحكومية معا، وانضمام اكثر من 60 الف جندي حكومي الى صفوفها بأسلحتهم وعتادهم الحربي، انفقت الإدارة الامريكية اكثر من 26 مليار دولار على تدريبهم وتسليحهم، حسب التقديرات الأولية، فالوطنية والشرف متأصلة في جينات قبيلة “البشتون” التي ينتمون اليها.
2500 جندي امريكي قتلوا في هذه الحرب التي كلفت دافع الضرائب الأمريكي اكثر من تريليون دولار حتى الآن، ولم تستطع القوات الامريكية المدعومة بقوات حلف الناتو السيطرة الا على اقل من 20 بالمئة من الأراضي الأفغانية منذ احتلالها لأفغانستان في نهاية عام 2001.
أمريكا وعدت الشعب الافغاني بالمنّ والسلوى، والديمقراطية والازدهار الاقتصادي، وتحويل بلاده الى “نموذج” في هذا الخصوص، تحسده عليها كل الشعوب الأخرى، وشاهدنا الاعلام الأمريكي والغربي عموما، ينشر ويبث اشرطة مصورة لمواطنين أفغان يتدافعون امام محلات الحلاقة في كابول العاصمة لحلق ذقونهم، ولكن الآن وبعد انسحاب القوات الامريكية ستعود أفغانستان الى ما كانت عليه قبل عشرين عاما، ولا نعتقد ان السلام سيعود الى هذه البلاد، وان الحرب الاهلية ستتوقف، فمع من سيتفاوض الطالبان لإنهاء الحرب الاهلية، مع اشرف غني، الرئيس الحالي، ام عبد الله عبد لله،، منافسه الطاجيكي الشرس، فكل منهما يدعي الانتصار في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ويشكل حكومة خاصة به، تماما مثلما هو الحال في ليبيا.
مستقبل أفغانستان يتسم بالغموض، ولا يستطيع احد ان يتنبأ بالصورة التي ستكون عليها البلاد بعد انسحاب القوات الامريكية، والشيء الوحيد الواضح هو تحول أفغانستان “رسميا” الى فيتنام أخرى، وهزيمة أمريكا ومشروعها على ارضها، وانسحابها مهانة مذلولة، وذيلها بين ساقيها، ولعل العرب، العاربة والمستعربة، منهم على حد سواء يستفيدون من هذه التجربة الأفغانية، فأمريكا وحليفتها إسرائيل بالطبع، ليست محصنتين، ويمكن هزيمتهما اذا ما وُجد الرجال الرجال وإرادة الصمود والقتال.
***
الحركة الطالبانية التي التقينا العديد من رجالها وقادتها على الأرض الأفغانية، انتصرت لان مؤسسها الملا عمر كان يتنقل على دراجة، وليس في سيارة فارهة، وطائرات خاصة بعشرات الملايين من الدولارات، ولا يقيم في قصور، ولم يغادر بلاده مطلقا، وان غادرها فللعلاج في باكستان، وهذا امر غير مؤكد، وانصارها ومقاتلوها لا يعرفون غير الأرز والمرق كوجبات غذائية والاستثناءات قليلة، وكلهم يتطلعون الى الشهادة لاستعادة كرامة بلدهم وعزتها، وتحريرها من قوات الاحتلال الأجنبي مهما طال الزمن وتضخمت التضحيات.
نتمنى على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمطبعين العرب، ان يقرأوا تاريخ المقاومة في هذا البلد، وصمود قيادتها ورجالها، لعلهم يتعظون، ولكنهم لا يقرأوا ولا يتعظوا، واذا سمعوا اسم حركة طالبان ثلاث مرات يُغمى عليهم، بينما تنشرح اساريرهم، وتطرب قلوبهم لسماع اسم نتني