صفقة القرن تتويج لتخطيط قديم
إب نيوز ٦ مارس
سـارة الـهـلاني
يشهد العالم العربي انتكاسة غير مسبوقة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وأصبحنا أمام انقلاب علني على الثوابت الدينية ، وخيانة مفضوحة تجاه القوانين السلمية والقومية ، وانضمام قيادات الدول الرئيسية في المنطقة للرئيس الأمريكي في تنفيذ الأجندة الإسرائيلية المعروفة باسم صفقة القرن .
وهذا هو محور الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة هو الزج بالدول العربية في التسوية وتحميلها أعباء إنهاء الدولة الفلسطينية ؛ لتُفلِت “إسرائيل” من المسؤولية أمام دول العالم، وتغيير نهج التفاوض بالانتقال من التسوية الثنائية إلى “الحل متعدد الأطراف ” وتغييراً لمنهجية الماضي فقد كانت المفاوضات تتم على أسس سياسية واستراتيجية .
وماقرأته قيادة الصفقة من لسان حال العالم أن المقبول لكسب المجتمع الدولي إدخال العامل الاقتصادي ، لجلب عدد أكبر من الأطراف ، حيث تؤدي هذه المشاركة إلى ضمانات أقوى في التنفيذ والتمسك بالاتفاق.
قبل الاسهاب في طرح أكثر عن ماتسمى صفقة القرن، ما المقصود بها اسماً ومضموناً ؟؟
أُطلق مصطلح صفقة القرن على خطة وضعها ’الجنرال جيورا أيلاند‘ مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق في دراستين :
# الدراسة الأولى عن معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى في
1/سبتمبر/ 2008م بعنوان ” إعادة التفكير في حل الدولتين”
# الدراسة الثانية عن مركز بيجن عام 2010م بعنوان “بدائل إقليمية لحل الدولتين” وقد تعدلت مع التوسع في شرح التفاصيل والإغراءات المقدمة للدول المشاركة في الصفقة وصيغة الحل المقترح ، ليقول ‘جيورا أيلند’ أن فشل الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية القائمة على حل الدولتين، واستحالة الوصول إلى أن الحل لن يكون إلا بإدخال الدول العربية كضامن وكشريك مستفيد من التسوية ، ولتضعوا خطاً تحت مصطلح ’التسوية ‘ مع كيان غاصب محتل لا حق له ولا شرع أُعطي، فعن أي تسوية يخال لهم أن تُفرض مع الشعب الفلسطيني !!
يقول روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن : أن المطبخ السياسي للولايات المتحدة يعتمدون على جيورا أيلاند باعتباره كبير الاستراتيجيين الإسرائيلين ، وروبرت ساتلوف هو الذي توّجه إلى الرياض قبل ساعات من صدور قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر 2017م ، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف رسمياً بأنها عاصمة لـ” إسرائيل”، وهو أهم قرار في صفقة القرن.
وما كانت إدارة ترامب بولاياتها أن تتجرأ لطرح مبادرات أو صفقات تنهي القضية الفلسطينة ، وتتخذ خطوة كنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس ، واعتبارها عاصمة إسرائيل لولا المشاركة العربية المباشرة في الصفقة مشاركة وصلت لحد التواطؤ والختم بشعار ’التطبيع الصريح ‘.
وهذا المسار الجديد لم يكن مقبول سابقاً بسبب حالة العداء الموجودة في العالم العربي التي لم تسمح بدخول الدول العربية على الملف ، وتبنّي الطرح الإسرائيلي والظهور كطرف ضد الفلسطينيين وخاصة مصر
والسعودية، فأحد ممثلي الإدارة الأمريكية الهامين حين عُرضت عليه الخطة الإسرائيلية ، قال لهم: “انتظروا خليفة مبارك ”
ومعروف ماكشفه مبارك جانب من هذه الضغوط في تسجيل صوتي بثّه على الإنترنت ، وقال إنه رفض طلب نتنياهو إزاحة قطاع غزة إلى سيناء وتوطين الفلسطينيين في الأراضي المصرية.
وأشارت وثائق نشرتها قناة B B C إلى أن مبارك كشف عن الطلب الأمريكي وموقفه منه من خلال مباحثاته مع رئيسة الوزراء البريطانية أثناء زيارته إلى لندن في طريق عودته من واشنطن في شهر فبراير عام 1983 ، حيث التقى بالرئيس المريكي رونالد ريغان.
هذه الوثائق التي لم ينفها مبارك ، وإن كان قد نفى قبوله للطلب الإسرائيلي تؤكد أن فكرة تحميل الدول العربية مسئولية حل القضية الفلسطينية لصالح “إسرائيل” مطروحة منذ عقود وأن صفقة القرن مجرد ’تتويج لتخطيط قديم‘ وليست مشروعاً جديداً.
وها هو ذا العالم قد شهد تبني نظام السيسي وقبوله لتنفيذ مشاريع إسرائيل الإبادية.
على سبيل المثال المكشوف ‘الدور السعودي’ حيث لعبت المملكة العربية السعودية ، دوراً محورياً في صفقة القرن، بما يوازي خبث التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، وكانت
بداية الانخراط السعودي العلني من خلال المبادرة العربية المنسوبة للملك عبدالله ، والتي تمثل نقلة في ملف الصراع بدخول العرب كاالضامن الأهم للاتفاق النهائي.
تجاوبت المبادرة العربية مع مقترحات كلينتون وبوش وأوباما التي تقوم على حل الدولتين لصالح إسرائيل طبعاً ، ومع أن المفاوضات
تجمدت بسبب الرفض الإسرائيلي فإنها حققت لـ”إسرائيل” مكسباً استراتيجياً باستبعاد الحل الثنائي لصالح الحل الإقليمي ودخول العرب بشكل جماعي في التسوية ‘ صفقة القرن ‘ .
وقد تطور الدور السعودي إلى ما هو أبعد ، وهو تحمّل التكلفة المادية للتنفيذ، ودخلت المملكة كممّول لصفقة القرن عقب تولي الملك سلمان، حيث استغل الإسرائيليون طموح الأمير محمد بن سلمان ، ورغبته في الصعود لكرسي الحكم في ظل أبيه، وانتهزوا فرصة احتياجه إلى الدعم الخارجي لتحقيق ما خططوا له منذ نصف قرن ، اندفع محمد بن سلمان لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية المدعومة من دونالد ترامب، فقام بخطوات متسارعة قطع بها شوطاً كبيراً في صفقة القرن نقلت الخطة من الورق إلى الأرض بالمال السعودي السخي وأبرزها [ شراء جزيرتي تيران وصنافير، واتفاقية المنطقة الحرة شمال سيناء.. ] والتفاصيل تطول حول هذه الخطوتين لشرح خطورة ما أقدمت به السعودية ومستوى استفادة الإسرائيلين.
صفقة القرن ليست إنهاء للقضية الفلسطينية فقط ، وليست محصورة بالجانب السياسي للملف الفلسطيني الإسرائيلي بل تتعداه لمناحٍ وقضايا أخرى ، شاملة للمنطقة ولا محالة ستضرب عمق كل دولة في المنطقة فإسرائيل ومسارها الصهيوأمريكي سيتصدر الزعامة في المنطقة.
لا سيما إن تفكرنا في جوانب صفقة القرن لن يغيب حجم الكارثة عن مخيلة كل من يقرأها كان ذا ضمير نافر ثائر ممتعض من ذل الصهاينة والأمريكان؛ وأهمها كالتالي:
– سياسياً
# إنهاء القضية الفلسطينية وفرض حلول ولوبالإكراه هي الأساس الأول لتحقيق بقية بنود الصفقة التي تصب في نتيجة واحدة ’ لا دولة فلسطينية ذات سيادة ‘.
# إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينين والتي يراها الصهاينة العقبة الكؤود أمام أي مفاوضات مقترحة عبر مقترحات التوطين والتهجير الجماعي.
# التطبيع العلني والكامل مع دولة الاحتلال لإقامة علاقات ودية ولائية مع الكيان الصهيوني حتى يتغيب الموقف العربي عن مشهد الصراع الفلسطيني مع الصهاينة المغتصبين.
# تزعم إسرائيل على المنطقة العربية بعد تقسيم دول المنطقة لدول أصغر على أسس عرقية أو دينية أو طائيفية أو مناطقية.
# دخول “إسرائيل” في حلف وشراكة مع باقي دول خاصة مصر ، الإمارات ، والسعودية ، لمواجهة القوى الإقليمية الأخرى في المنطقة بالتحديد ” إيران ، حزب الله في لبنان ، أنصارالله في اليمن . . ”
# إعادة تشكيل المنطقة بما يمنع أي ثورات على الحكام فيها، أو ضد “إسرائيل”.
_ أما جوانب الصفقة دينياً ترقب للتالي:
# محاربة الإسلام وضرب المنظومة الدينية بالكامل وضرب الإسلام السياسي لمنع أي تيار أو حزب إسلامي من الظهور والوصول للسلطة.
# نشر ثقافة دينية جديدة بمسمى ‘الاعتدال ‘ تجرد الدين من أساسياته وتضمن الولاء لولي الأمر الطاغوتي.
# تغريب حضاري كامل للمنطقة عبر ضرب الثقافة المحلية والعرف الوطني ونشر الثقافات الغربية.
– اقتصادياً :
وهو الجانب الأكثر ركوناً عليه من قبل الإدارة الأمريكية لتمرير بيعة القرن المخزية.
# إسرائيل هي المستفيد الأكثر اقتصادياً من هذه الصفقة ، دون تقديم أي مقابل من أي نوع ، فسترتبط كل المقترحات الاقتصادية لها من ضمنها ملف الطاقة _ الغاز في الشرق المتوسط الذي قد بدأت إسرائيل تستغله من الدول المجاورة لها ‘لبنان، غزة ‘ وكذا الخلاف اليوناني التركي على الحدود المائية في جزيرة قبرص .
صفقة القرن ليست قدراً محتوماً على الجميع تقبله بقدر ماهي مؤامرة ظلم المتجبرين وصهيانة الاحتلال تستند إلى ضعف عربي وخيانة أنظمة تنتمي للإسلام التي انحرفت عن أولوياتها بصورة حولت العدو الأكبر للعرب ‘ إسرائيل ‘ إلى حليف محتمل في صراع إقليمي بائس جعل من الجار عدواً ، والعدو جاراً ، بل وحليفاً وولياً لزمام شؤون الشعوب وأسس سيادتها…
ولا تستهدف الفلسطيين فقط بل العالم العربي الذي سيصبح عبارة عن دول تدور في فلك التحكم الإسرائيلي ووالنهب والإستغلال الأمريكي .
فأولاً وأخراً الضحية فلسطين وسائر العالم العربي ، ولن ينجى أحدهم دون الآخر من خطر السيطرة الصهيوأمريكية مالم ينجو الجميع.