عطوان : الامارات تلوح بالانضمام الى حليفها السعودي في الحرب النفطية ضد روسيا فهل ستكون نتائجها افضل من حرب اليمن؟
Share
إب نيوز ١١ مارس
عبدالباري عطوان
الامارات تلوح بالانضمام الى حليفها السعودي في الحرب النفطية ضد روسيا فهل ستكون نتائجها افضل من حرب اليمن؟ ولماذا نعتقد ان اعتقالات الامراء الكبار ضربة استباقية لامتصاص تبعاتها التقشفية المحتملة؟ وهل ستكون “أوبك” الضحية الأولى؟
بعد دخول حرب اليمن عامها السادس هذا الشهر (بدأت بعاصفة الحزم في آذار عام 2015)، اعلن الحليفان السعودي والاماراتي الدخول سويا في حرب نفطية ربما لا تقل شراسة، بهدف توجيه ضربة قاضية مزدوجة الى كل من روسيا التي رفصت الالتزام باتفاق “أوبك” بتخفيض الإنتاج بمعدل 1.5 مليون برميل يوميا، لرفع الأسعار، والى الدول المنتجة للنفط الصخري التي غمرت الأسواق بأكثر من مليوني برميل يوميا، مما أدى الى خفض الأسعار نتيجة حدوث تخمة في أسواق الطاقة العالمية.
الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، هو الذي اطلق الشرارة الأولى والصاعقة لهذه الحرب، تماما مثلما اطلق الطائرة الاولى في حرب اليمن، وقرر زيادة انتاج بلاده من النفط بحوالي مليون برميل يوميا، بأسعار منخفضة بحدود عشرة دولارات للبرميل، للاستحواذ على اكبر حصة في الأسواق العالمية، لتلحق به دولة الامارات فورا، وتعلن عبر شركة “ادنوك” “الظبيانية” عن زيادة انتاجها (3 ملايين برميل حاليا) بمليون برميل فورا في خطوة تضامنية تحالفية مفاجئة.
***
الأمير بن سلمان لجأ الى استراتيجية “الصدمة” والرعب التي استخدمها الرئيس الأمريكي جورج بوش الاب في حرب العراق الأولى عام 1991، لـ”إرهاب” الروس ومنتجي النفط الصخري واجبارهم على الجلوس الى مائدة المفاوضات وفق الشروط السعودية.
الاستراتيجية نفسها جرى تبنيها سعوديا عام 2014 وبطلب امريكي، لإغراق الأسواق بكميات مليونية من البراميل النفطية ولخفض الأسعار واحداث حالة من الشلل في الاقتصادين الروسي والامريكي، ولكنها أعطت نتائج عكسية، حيث انهارت أسعار النفط، وامتصت ايران وروسيا الصدمة، وتجاوز منتجو النفط الصخري الازمة بتطوير وسائل الإنتاج والاستعانة بتكنولوجيا ارخص.
من الصعب التنبؤ بنتائج هذه الحرب السعودية الإماراتية الجديدة، خاصة انها لم تبدأ الا قبل يومين فقط، ولكن اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انه يستطيع التعايش مع انخفاض الأسعار بمعدلاتها الحالية (30 دولارا) لعشر سنوات مقبلة، يوحي بأن قرار روسيا بفك الارتباط مع منظمة “أوبك” وقرارها الأخير بخفض الإنتاج بمعدل 1.5 مليون برميل، كان مدروسا، وجرى التحضير له بشكل جيد منذ اشهر، من خلال تعزيز الاقتصاد الروسي، وتنويع مصادر دخله، وبيع سندات خزانة أمريكية وغيرها وشراء كميات كبيرة من الذهب، مضافا الى ذلك ان العوائد النفطية لا تشكل الا نسبة محدودة من الدخل القومي الروسي (16 بالمئة فقط)، على عكس السعودية التي تشكل العوائد النفطية حاليا حوالي 90 بالمئة من ناتجها القومي.
الضحية الأكبر لهذه الحرب ستكون منظمة “أوبك”، والشعوب الخليجية، والشعب السعودي بالذات، لانها ستواجه إجراءات تقشف صارمة من جراء تراجع أسعار الوقود والنفط وعوائده، تماما مثلما حدث عام 2014 حيث جرى رفع الدعم عن جميع السلع الرئيسية، وزيادة أسعار الماء والكهرباء والخدمات الأخرى، وفرض ضرائب مثل ضريبة المبيعات، ورفع العديد من الرسوم.
الميزانية السعودية للعام الحالي التي تقدر بحوالي 272 مليار دولار وهي الاضخم في تاريخ المملكة، جرى وضعها على أساس أسعار نفط فوق الخمسين دولارا للبرميل وبعجز مقداره 6 بالمئة، أي في حدود 50 – 60 مليار دولار، وتحتاج المملكة الى ارتفاع سعر البرميل الى 80 دولارا لسد هذا العجز كليا، ولكن اذا صحت بعض التوقعات بانخفاض أسعار النفط الى 20 دولارا للبرميل بسبب هذه الحرب، فان العجز قد يرتفع الى حوالي 130 مليار دولار، ان لم يكن اكثر.
***
ما نريد استخلاصه من كل ما تقدم ان الأمير محمد بن سلمان عندما اعتقل الجمعة الماضية اكبر رأسين يهددان زعامته في الاسرة الحاكمة السعودية، وهما عمه الامير احمد بن عبد العزيز، الأخ الشقيق الأصغر لوالده من الجناح السديري، وابن عمه الأمير محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية الأسبق الذي اطيح به من المنصبين عام 2017، الى جانب مجموعة من الامراء الأقل أهمية، اقدم على هذه الخطوة كضربة استباقية لها علاقة مباشرة بخططه لإشعال فتيل هذه الحرب النفطية، ومحاولة احتواء أي ردود فعل داخل الاسرى الحاكمة، والشعب السعودي لاي تبعات “تقشفية” يمكن ان تترتب عليها.
فالسلطات السعودية، وحسب أربعة مصادر نقلت عنها وكالة “رويترز” العالمية، طلبت قبل أسبوع من إدارات حكومية تقديم مقترحات تخفض ميزانياتها بما لا يقل عن 20 بالمئة في خطوات تقشف وخفض النفقات لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط وفيروس كورونا، وانخفاض الطلب الصيني نتيجة لانتشاره.
الأمير بن سلمان احكم قبضته الحديدية على الحكم، وازال تهديد له داخل الاسرة الحاكمة أولا، والشعب ثانيا، ومن غير المستبعد ان تكون هذه الاعتقالات مجرد قمة جبل الثلج، وربما تتبعها اعتقالات وخطوات أخرى، فالمسألة مسألة حياة او موت بالنسبة له.
حرب اليمن ما زالت مستمرة، وتدخل عامها السادس دون حزم او حسم، وموازين القوى فيها على الأرض في غير صالح مطلق طائرتها ” اف 16″ الأولى، و”الشرعية” التي ارادت “عاصفة الحزم” اعادتها الى صنعاء، ولهذا فان السؤال المطروح: كم سيطول عمر حرب النفط الحالية، وكيف ستكون نتائجها؟