عبدالباري عطوان: لماذا نعتقد أن أزمة فيروس الكورونا “بروفة” صغيرة للحروب البيولوجية القادمة؟
Share
إب نيوز ١٥ مارس
عبدالباري عطوان:
لماذا نعتقد أن أزمة فيروس الكورونا “بروفة” صغيرة للحروب البيولوجية القادمة؟ وكيف سقطت الديمقراطيات الغربية وانظمتها الصحية ونجحت الصين في هذا الاختبار الصعب؟ وما هي التغييرات الجذرية التي نتوقعها في مرحلة ما بعد السيطرة على هذا الوباء؟
حالة الانتشار السريع لفيروس كورونا في مختلف انحاء العالم وفشل الدول “المتقدمة” خاصة في أوروبا في مواجهته بالكفاءة المطلوبة، يؤكد اننا امام اول اختبار جدي للاستخدام المحتمل للأسلحة البيولوجية في حال اللجوء اليها في الحروب القادمة.
من المفارقة ان الدول التي شاركت في تحالف الحرب الأولى ضد العراق عام 1991 بعد غزوه للكويت كانت تتحدث عن احتمال ان يأتي “فدائي” او “إرهابي” عراقي وسيم ويفرغ محتوى حقيبته “السمسونايت” الفخمة من الجراثيم، او الفيروسات القاتلة في شارع اوكسفورد الشهير في قلب لندن مما يودي بحياة عشرات الآلاف.
الآن ينتشر فيروس كورونا ويصيب الآلاف في معظم الدول الأوروبية رغم الاحتياطات الاحترازية، واغلاق الحدود، دون حقائب “دبلوماسية” إرهابية، ودون معرفة كيفية صعود هذا الخطر بهذه السرعة؟ وهل هو نتاج تصنيع احد المعامل في دول غربية او شرقية؟ ولماذا انتشر بهذه السرعة الخيالية؟
لا نملك إجابات عن جميع هذه الأسئلة، ولا تملك الدول الغربية وعلماؤها إجابات أيضا، وسط حالة من الهلع والارتباك غير مسبوقة، وسقوط كل المحرمات، بما في ذلك منع صلوات الجمعة في المساجد، وقداس الاحد في الكنائس، وإلغاء مناسك العمرة، وربما الحج في المشاعر المقدسة في ارض الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
الكثير من الثوابت في عالم اليوم تتغير، وباتت الملايين، بل مئات الملايين، تتعرف على معنى حظر التجول، والاعتقال الاجباري المنزلي، والعيش بدون مسابقات كروية، والمناسبات الاجتماعية مثل حفلات الاعراس، واغلاق المطاعم والمقاهي، وكل التجمعات الترفيهية، فأسباب الحرص على البقاء واحتياطاته باتت تتقدم كل شيء.
هذه الازمة الكارثة ستمر حتما، مثلما مرت ازمات وبائية مماثلة على البشرية في تاريخها بشقيه القديم والحديث، ولكن عملية التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التي احدثتها ستؤدي الى خلق مجتمعات جديدة، بعادات جديدة، وتحالفات جديدة أيضا.
الصين الدولة الديكتاتورية خرجت الناجح الأكبر في اختبار “الكورونا”، بينما باتت الأنظمة الصحية الأوروبية التي تمثل دولا وحكومات ديمقراطية متقدمة هي الفاشل الأكبر حتى كتابة هذه السطور، فهذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار انسان اثبتت فعلا انها قوة عظمى عندما ادارت ازمة الوباء الذي انتشر في مدينة ووهان بكفاءة عالية جدا، وحاصرت الفيروس، واقامت مستشفى هو الاضخم في العالم في اقل من عشرة أيام، وأوقفت انتشار الفيروس تقريبا، وانقذت حياة 80 الف مصابا تعافوا كليا نتيجة للعناية الطبية عالية المستوى والمهنية.
الغرب الذي يعادي الصين من منطلقات أيديولوجية يرفض الاعتراف بهذه الحقائق المذهلة، مثلما يرفض الاستعانة بالخبرات الصينية لمواجهة هذا الوباء من منطلقات الغطرسة وعقدة التفوق، والاستثناء الوحيد كان إيطاليا، حيث ترفعت حكومتها عن كل عقد النقص هذه وفتحت ابوابها لطائرتين صينيتين محملتين بالخبراء والمعدات الطبية والأدوية للاستعانة بهم لمواجهة الازمة التي تعيشها، وتقديم مصالح شعبها وسلامته على كل الخلافات الأيديولوجية، فتحية لها، وتحية للصين.
لا احد يستطيع ان يتنبأ بما يمكن ان تتطور آلية الأمور، خاصة في أوروبا، وما يؤلمنا في هذه الصحيفة “راي اليوم” ان أصواتا لمسؤولين كبارا في أوروبا باتت تتحدث عن التضحية بالملايين ممن هم فوق سن الستين، الشريحة الأكثر عرضة للموت بسبب الفيروس لضعف جهاز المناعة عندها، والتركيز على انقاذ الأجيال الشابة، وفق نظرية “مناعة القطيع” المتداولة حاليا في بعض أوساط الحكومة البريطانية.
ختاما نقول ان على الدول الكبرى الاستعمارية، وقد عاشت هذه التجربة “البروفة”، أي انتشار وباء “الكورونا”، ان تكون حذرة في المستقبل، وان تكف عن ظلمها للشعوب الصغيرة المضطهدة، وان لا تدفعها الى أسوأ السيناريوهات، واللجوء الى قنابل الفقراء النووية البديلة المحرمة دوليا في حالة يأس.
الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من هذه الكارثة يتلخص في ان العدالة، والتعايش، والحوار، التكافل الدولي، واحترام الكبير للصغير، وحقوقه المشروعة في العيش الكريم وعلى قدم المساواة، وبعيدا عن اشكال الاستغلال والتمييز العنصري، والديني، والطائفي، كلها تشكل اقصر الطرق للسلام والاستقرار في العالم، فهل تصل هذه الرسالة الى أمريكا ورئيسها دونالد ترامب التي تقف خلف معظم ان لم يكن، كل المظالم في العالم؟ لا نعتقد.