القلم والبندقية.. ملاحم النصر !!
إب نيوز ٢٨ مارس
د. أسماء الشهاري
تعد الثقافة كبطاقة تعريفية لأي مجتمع يختزل فيها جميع المشاهد الفكرية والمعرفية والعقدية والسلوكية والمعيشية وغيرها من العادات والتقاليد والاتجاهات والتوجهات ومجموع القيّم التي تعد السمة البارزة لأي مجتمع سيما في اليمن الذي تُعد الهوية الإيمانية جزءًا لا يتجزأ من تاريخ حضارته الأصيلة الضاربة في عمق التاريخ والتي ميزته على سائر الأمم والشعوب بإرث مجتمعي ثقافي قلَّ نظيره، مما يحقّ له أن يكون شعب الإيمان والحكمة والتاريخ والحضارة.
وبما أنه لا حضارة بدون إنسان فكذلك لا ثقافة بدون يمن الإيمان، ولا يتوقف دور الثقافة على بناء الفكر بل وفي بناء الأمم وعمارة الأرض وصناعة الأوطان.
ولأنَّ اليمانيين هم أصل الحضارات الإنسانية وصانعوها منذ سالف العصر وغابر الزمان، فهم من قطعوا المعمورة طولًا وعرضاً وشمالًا وجنوبًا، بانين بذلك أرقى وأعظم الحضارات الممتدة في التاريخ كأوتاد الجبال في الأرض عبر آلاف وآلاف السنين ويشهد على ذلك الكثير من الآثار والكتب التاريخية التي خلّدت أسماء ملوكهم كحِمير وتُبع وسيف بن ذي يزن، حتى يُقال إنَّ ذا القرنين كان من ملوك اليمن.
ولا يمكن لتاريخ باذخ مُتعملِّق وحضارة عريقة حُفرت في ذاكرة العالم أجمع أن تقوم دون أن ينشأ معها منذ البدء ويرافقها تنشئة اجتماعية تقوم على “ثقافة أصيلة” تُآزرها وتساندها وتشدّ من عضدها، والتي استمرت بدورها في التطور والرقي حتى عُرف أهل اليمن بنخوتهم وأصالتهم ونجدة الضعيف ونصرة المظلوم وإبائهم ورفضهم الضيم، وهكذا حتى جاء الإسلام وكان للأوس والخزرج – القبيلتين اليمنيتين – الدور الأعظم في نصرة الإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فاختيار الله لهم دون غيرهم أن يكونوا في ذلك المكان إنما كان بحكمة إلهية واختيار وإعداد مسبق، فالله قد وضع فيهم سرًا من أسراره، واختارهم على علمٍ على العالمين ليكونوا هم حواري نبيه، وأنصار دينه وحملة كتابه، وهذا ما خلّدهُ القرآن الكريم عن “الأنصار” في الكثير من آياته.
واليمني إلى جانب سلاح الإيمان الذي يحمله، يرتدي السلاح الشخصي (سواءً السلاح الناري أو السلاح الأبيض) باستمرار، كمظهر عروبة أصيل يتميز به عن غيره، فـ”الجنبية” تراث شعبي يمني أصيل، وتعد جزءًا لا يتجزأ من شخصية اليمني وإرثه الثقافي الحضاري التاريخي، ودليلًا بارزًا على أن اليمني لا يمكن أن يقبل بالذل أو يرضخ للطغاة والظالمين، حتى أصبحت اليمن تُلقب عبر التاريخ بـ “مقبرة الغُزاة”.
ورغم الصعوبات والتحديات الجسام وتنوع وسائل الاختراق للمجتمعات والتدجين بمختلف أنواعه والغزو الأجنبي الحديث بأساليبه المتطورة إلا أن المجتمع اليمني ظلَّ محافظًا على ثقافته اليمنية الإيمانية الأصيلة طوال عقود من الزمن، متمسكًا بهويته كثابتة من ثوابته الثقافية الأصيلة التي لا يمكن أن يساوم عليها مهما كان الثمن، والتي تزداد شموخًا وتأصُلاً مع مرور الوقت، وكان للعلماء والمثقفين والوسائل الإعلامية والتعليمية المختلفة دورها الكبير في ذلك.
ولم يكن غريباً على اليمن أصل العرب والعروبة ومعينها الصافي ومنبعها العذب أن ينبغ منها العلماء والأدباء والشعراء والكُتاب والقصاص وغيرهم في شتى مجالات العلوم والفنون الإنسانية من رواد التاريخ والحضارة عبر الأحقب المختلفة، فقد كان هذا الإرث لهؤلاء العظماء يلعب دوراً تبادليًا وتكامليًا مع الهوية الإيمانية والثقافة المتأصلة في جذور هذا الشعب العظيم، وعندما قام تحالف العدوان على اليمن أدرك جيدًا مدى خطورة – الثقافة المتجذرة في وجدان هذا الشعب – بكل ما تحمله هذه الكلمة “الثقافة” في طيّاتها من معانٍ ودلالات، على مشروعه ومخططاته، فما كان منه إلا أن استهدفها بكل شراسة ودون هوّادة إلى جانب استهدافه لكل شيء في يمن التاريخ والحضارة، مُدركًا أنها السرُّ وراء الصمود الأسطوري لليمنيين طوال سنوات العدوان.
لم تكن الحرب الاقتصادية ممثلة بالحصار الغاشم والحرب العسكرية على اليمن المكونة من تحالف أكثر من 17 دولة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة الأشدّ فتكاً وتدميرًا هي الوحيدة، ولكن رافقتها منذ اليوم الأول حرباً إعلامية لا تقل أبداً ضراوة ً عنها، وكما صرفت مليارات الدولارات في شراء الأسلحة، فقد صرفت كذلك في شراء الذمم وتحريك آلة إعلامية عملاقة سعت وبشكل حثيث للتغطية على الجرائم وطمس الحقائق وتشويهها بالكذب والتضليل
وخصوصاً استقطاب الأقلام المأجورة من كتّاب ينبحون بحمد سلمان ويبجلونه ويقلبون الحقائق ويضللون الرأي العام العالمي.
ولأول مرة في التاريخ القديم والمعاصر وبتناغم قلّ نظيرة بين القلم والبندقية، انطلقت أقلام الأحرار إلى جانب بندقية الشمّ الأشاوس وبإمكانيات متواضعة مقارنةً بمليارات الدولارات لدى الطرف الآخر متصديةً لكل تلك الماكينة الإعلامية الضخمة فاضحةً الزيف والأكاذيب وكاشفةً التضليل والمؤامرات وناشرةً الوعي، ومواكبةً كل الأحداث على الميدان من فضح الجرائم وتسليط الضوء على الحقائق وعارضة الواقع كما هو وبالأخص المعجزات التي يجترحها ويسطرها أسود الوغى من لا يضاهيهم أحد في الشجاعة والإيمان.
لقد أثبتت الجبهة التعبوية الثقافية المتمثلة في أقلام الأحرار وحناجر الشرفاء أنها جبهة لا تقل أهمية أبدًا عن الجبهة العسكرية والأمنية في مواجهة العدوان بل إنها انطلقت ومنذ اليوم الأول شاحذةً للهمم ورافعة للطاقات والمعنويات، فالثقافة الوطنية هي من تبني العزة والشرف وتربي على الحرية والكرامة والإباء ورفض الضيم وتساند حماة الوطن مهما كانت التضحيات المقدمة في سبيل ذلك وستظل رافعة لراية الوطن عاليًا لأنها على يقين أن النتيجة الحتمية لذلك هي النصر والنصر.
عاش الوطن حراً أبياً شامخاً
الرحمة للشهداء
الحرية للأسرى
الشفاء للجرحى
والنصر لليمن الغالي.
#الذكرى_الخامسة_لليوم_الوطني_للصمود