كاتب تونسي : بعد سنوات الحرب المدمرة في اليمن على السعودية التعقل لا التهوّر .

توعّد الحوثيون المملكة العربية السعودية بالرد في العمق بعد الغارات التي شنتها قوات التحالف السعودي الإماراتي على صنعاء العاصمة اليمنية وخلفت قتلى وجرحى، واستشاط الحوثيون غضبا عندما اخترق التحالف العاصمة الإدارية والاقتصادية الأولى لليمن، وهدّدوا بالرد العنيف والموجع في الداخل السعودي، وقد أدركت السعودية مدى التهديد الحوثي من قبل، عندما أصابوا شركة أرامكو ، ولكن يبدو أن السعودية مصممة على إنهاك الحوثيين وإجبارهم على الرضوخ لمطالبها، بينما يستميت الحوثيون في الدفاع عن أنفسهم ويحاولون ضرب السعودية في عقر دارها، وإيلامها وقد فعلوا ذلك من قبل، رغم الهدوء النسبي خلال الفترة الماضية التي أعقبت انتشار فيروس كورونا ومواجهته ومحاولة الحد من انتشاره.

لكن السعودية اليوم تعيش أزمات متعددة، أبرزها على الإطلاق انهيار أسعار النفط في السوق العالمية، وتفشي مرض كورونا في العالم، وانتشاره في السعودية مما أجبر الحكومة على اتخاذ قرارات حاسمة وجريئة كإغلاق الحرم الشريف في مكة المكرمة وإلغاء رحلات العمرة وربما الحج أيضا، وقد تلجأ إلى قرارات أخرى كإغلاق منطقة مكة بالكامل إذا تسلل المرض إلى ربوعها بشكل مخيف، وهذا كله يكلف السعودية الكثير، إضافة إلى أن الطلب العالمي على النفط صار بطيئا جدا خلال أزمة كورونا، وانهيار القطاع السياحي الذي تعول عليه السعودية لإنعاش اقتصادها خلال المرحلة المقبلة، وكل ذلك سيؤثر بلا شك  على الرؤية السعودية  الاقتصادية 2030 وإلغاء المشاريع المرتبطة بها، مما يجعلها في حرج شديد، أمام الوضع الاقتصادي الآخذ في التدهور ويستوجب على السعودية حينئذ التعقل لا التهور  على الأقل في المرحلة الحالية.

ومما يثقل كاهل الدولة السعودية اليوم، الحرب الدائرة في اليمن، وتكاليفها وتبعاتها، الاقتصادية والإنسانية، ومن المؤكد أن المملكة العربية السعودية ساهمت بشكل مباشر في تدمير اليمن اقتصاديا وإنسانيا، حيث انتشار الفقر والجوع والأمراض والبطالة، وهذا يساعد على انتشار الجرائم بكل أنواعها، فعند النظر إلى الأرقام سندرك مدى فظاعة وبشاعة الجرائم التي ارتكبها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن وسكوت المجتمع الدولي عن الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية في هذا البلد الذي شهد انتشار الأمراض بصورة مرعبة والفقر بصورة شاملة وأصبحت مئات العائلات تحت خط الفقر، مما يوحي وينذر بكارثة بشرية لم يشهد لها التاريخ، ورغم ذلك لم تبال السعودية ولا الإمارات بما يجري لهؤلاء اليمنيين في صنعاء والولايات المجاورة لها من مآس حقيقة على الأرض حتى صار اليمنيون وكأنهم في العهد الأول من حياة الإنسان في القرون الوسطى.

ويبدو أن السعودية غير مهتمة بخسائرها المادية في اليمن على حساب شعبها، وأنها مصممة على مواصلة مشوار الحرب رغم الخسائر الفادحة على كل الجبهات، ظانة أن مواصلة الحصار وزيادة الضربات في قلب العاصمة صنعاء قد تثني الحوثيين عن المواجهة والرد، لكنني أظنّ أن ظنّها ليس في محله، بل ستجد صلابة أكثر منهم، وإصرارا على الثبات على الموقف الأول، وهو الصمود في الحرب الدائرة، فقد سبق وأن واجهوا الرئيس السابق علي عبد الله صالح سنوات ولم يستسلموا، فكيف اليوم سيستسلمون وهم في عقر دارهم يُضربون، لقد توعّد الحوثيون في اليمن  السعوديين بضربات موجعة في العمق السعودي، وذكروا أن  العاصمة السعودية الرياض ستكون في مرمى نيران الحوثيين، وسيختارون الوقت المناسب للرد على العدوان الغاشم، وستدرك السعودية  بعدئذ أن الحرب ستطول وليست هناك فائدة من استمرارها، فاليوم وبعد أكثر من خمس سنوات على هذه الحرب القذرة لم تنجح في تحقيق أي هدف، بل خسرت الكثير وما زالت ستخسر الكثير في الأيام والشهور المقبلة إذا أصرت على مواصلة هذا الطريق.

ليس هناك حل لهذه الحرب إلا أن تتوقف فورا، وأن تتنازل السعودية عن كبريائها وتعتذر للشعب اليمني أنها مارست الاعتداء وحان الوقت للسلام والأمان، وعلى الحوثيين أن يقبلوا بذلك بصدر رحب حماية لشعب أنهكته الحرب طوال هذه السنين، ولم تعد قادرة على حسم المعركة لأي من الجانبين وبالتالي الحلّ يكمن في السلام الذي يخدم الجانبين خاصة في ظل هذه الأوضاع المتدهورة على جميع المستويات في السعودية واليمن بل في العالم أجمع، ولن تتعافى السعودية من تدهور أسعار النفط وانتشار الفيروس كورونا سريعا بل تحتاج إلى وقت كبير  عند كثير من المراقبين والمحللين، فلماذا تجازف السعودية بوزنها وشعبها من أجل هدف غير معلوم وغير محدد ويصعب تحقيقه أو يستحيل.

فوزي بن يونس بن حديد
كاتب تونسي :
صحيفة رأي اليوم

You might also like