الصدر شهيد الأمة وفيلسوفها .
إب نيوز ٤ إبريل
بتول عرندس
تعود ذكرى استشهاد المرجع والمفكر والفيلسوف الشهيد آية الله العظمى الامام السيد محمد باقر الصدر (قدس) الشخصية الذي أوجد مدرسة إسلامية تتمتع بالشمولية والأصالة والعمق والحركة الحيوية والتجديد والعالمية.عرف عنها النبوغ والعبقرية في مثل هذا الشهر الأسود والمشؤوم عام 1980. يوم ارتكب طاغية العراق الدكتاتور صدام المخلوع جريمة العصر بإعدامه مفجر الثورة الاسلامية في العراق مع أخته العلوية العالمة الفاضلة المؤمنة الشهيدة آمنة حيدر الصدر (رض) المعروفة بنت الهدى.
ولد المرجع الصدر(قدس) في مدينة الكاظمية المقدسة في سنة 1933 ميلادية وينتمي نسبه الشريف إلى الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم (ع). والده هو السيد حيدر الصدر (قدس) من نوابغ العلماء وقد توفى وعمره (4) سنوات.
فتولت تربيته والدته الفاضلة العابدة التقية بنت آية اللّه الشيخ عبد الحسين آل ياسين وهم من أعاظم الفقهاء، وقد عرف عن والدة الشهيد الصدر أنها مثالاً عالياً للتقوى والورع، كانت شديدة الحب للّه تعالى ولرسوله ولأهل بيته (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، كانت لا تفارق القرآن تتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وكانت دائمة الذكر لله تعالى لا يفتر لسانها عن التسبيح والتحميد والاستغفار وقد تحملت الكثير الكثير من المعاناة حيث عاشت مع الشهيد الصدر أيام المحنة الصعبة وأيام الحصار الأخير، وكانت صابرة محتسبة.
تلقى العلوم الإسلامية التمهيدية على يد أخيه السيد إسماعيل الصدر وعندما أتم دراساته في الكاظمية المقدسة هاجر إلى النجف الأشرف عام 1945 لمواصلة دراساته العليا وكان عمره الشريف 13 سنة. درس على يد كبار مراجع التقليد ونال درجة الإجتهاد وهو دون العشرين من عمره.
في عام 1957 أسس آية الله العظمى الامام السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) “حزب الدعوة الإسلامية” بالتنسيق مع ثلة من العلماء الأعلام والمثقفين الرساليين لإيجاد الأداة الحركية القادرة على شد الأمة للإسلام وإقامة حكم الله في الأرض ونشر الوعي الإسلامي والسياسي في أوساط الحوزة العلمية. ينقل عن زوجته قولها: “حينما يستغرق السيد الشهيد محمد باقر (قدس) في المطالعة أو التفكير ينسى كل شئ حتى طعامه فأراني مضطرة في آخر الأمر إلى قطع تأمله أو مطالعته فأقول له: لقد قرب وقت الظهر ولا شئ عندنا، عندها يقوم ليشتري بنفسه ما نحتاج إليه “.
معظم من عاصر الشهيد محمد باقر الصدر (رض) يعرف أن كل مؤلفاته فيها إضافة إلى الدقة والعمق مع السعة والشمول، منهجية رائعة في طريقة العرض، ومن مؤلفاته القيمة: “المدرسة الإسلامية” وهو حلقة الوصل بين “فلسفتنا” و”إقتصادنا” ألفه وعمره الشريف 26 سنة، وهو دراسة موضوعية لأهم الأسس الفلسفية. وكتاب إقتصادنا ألفه وعمره الشريف 27 سنة ويشتمل على جزئين في المادية التاريخية وقوانين الديالكتيك، ووضع الهيكل العام للإقتصاد الإسلامي .
كان نموذجا رائعا في علاقته مع طلاّبه، أحاطهم بحبه وعطفه ورعايته، وأفاض عليهم الكثير الكثير من توجيهاته الروحية والأخلاقية والتربوية والعلمية والفكرية والثقافية، أراد لهم أن يكونوا حملة رسالة، ودعاة هداية، وصناع أمة. وانطلاقاً من هذه الرؤية كان الشهيد الصدر رضوان الله عليه يؤكد لطلابه أنهم أبناؤه، وأنهم امتداد له، ولكن ليس امتداداً شخصياً بل هو الامتداد العلمي والفكري والروحي والأخلاقي والجهادي. من أبرز طلابه ما يأتي ذكرهم: آية الله السيد كاظم الحائري، آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي وآية الله السيد محمد باقر الحكيم. ولكي نكتشف عمق هذه العلاقة نقرأ هذا النموذج من رسائله إلى طلاّبه الذين هجّرهم النظام البائد: “أولادي وأحبائي: أكتب هذه الكلمات أيّها الأحبة وقد مرّ على فراق أبيكم لكم سنة كاملة تقريباً ما كان أقساها من سنة على هذا الأب الذي جسّد فيكم آماله وبذل في سبيل تحقيق وجودكم الأفضل عصارة روحه وقلبه وعقله جميعاً، وعاش يترقب نموّ أولاده، واشتداد سواعدهم في العلم، وتساميهم في الروح، وتكاملهم المستمر في الخُلق والهدى والدين، وبدأ يحسّ أن هؤلاء الأولاد البررة سوف يحققون ظنونه فيهم، ويمثلون امتداده الروحي، إذ به يفاجأ في لحظة بقدر فرق بينه وبين أبنائه وهو أحوج ما يكون عاطفيا وروحياً ودينياً إلى قربهم… وبالرغم من مرور سنة كاملة على فراق الأب لأبنائه فلا أزال اليوم أفارقكم فيه شعوراً بالألم، وشعوراً بالأمل”.
هكذا نقرأ عمق العلاقة بين الشهيد وطلاّبه والتي خرجت عددًا من القادة الذين أغنوا الساحة علمًا وجهادًا. كان معلم الأمة الروحي والأخلاقي والعلمي والثقافي والجهادي، فهل تكون الأمة بارة لهذا الأب الذي بذل دمه من أجلها نقية الفكر الإسلامي الأصيل.