الاستعمار الأمريكي بغطاء حماية الأمن القومي .
إب نيوز ١٧ إبريل
أنس القاضي
خلف أكذوبة حماية أمنها القومي، تتدخل القوات الأمريكية في الشؤون الداخلية للبلدان المُستقلة وخاصة الدول النامية في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا.
ورغم رفع الولايات المتحدة الأمريكية لشعار حماية الأمن القومي إلا أنها لم تضع حدوداً وطنية لأمنها القومي، بل تركت المسألة مفتوحة للتأويل وفق ما تقتضيه مصالحها الاستعمارية في نهب موارد هذا البلد أو ذاك أو في ضرب نموذج ثوري أو ديمقراطي ووطني لا يروق لها.
والحال أن الولايات المتحدة، تتصرف عملياً باعتبارها المركز الإمبراطوري للعالم أجمع، فدستورها لا يتضمّن حدوداً لها مثل الكيان الصهيوني، حيث أن واشنطن تعتبر نفسها طليقة اليد في عالم تراه بمجمله مجالاً حيوياً لمصالحها، والمعضلة السياسية الخطيرة هي حين يُنظر إلى الولايات المتحدة ويتم التعامل معها باعتبارها دولة عادية، مثلها مثل أية دولة أخرى، وأغرب ما في الأمر أن الإدارات الأمريكية المتوالية لا تحرص كثيراً على إخفاء حقيقة ” دولتها “، ففي خمسينيات القرن الماضي، أثناء مؤامرة ستون الأمريكية ضدّ سوريا، سأل أحد القادة السوريين أحد القادة الأمريكيين: لماذا تتآمرون ضدنا وبين حدودنا وحدودكم قارات ومحيطات ؟ أجاب الأمريكي: إن حدودنا تكون حيث تكون مصالحنا، وهذا يعني أنه لا أمن قومي للأمم جميعها، ولا حدود جغرافية أو سياسية أو اقتصادية للأمن القومي الأمريكي.
يقول الرئيس الأمريكي الثامن والعشرون وودرو ويلسون ما يلي:
“انطلاقاً من حقيقة ان التجارة ليس لها حدود قومية، وانطلاقاً من أن الصناعي يريد امتلاك العالم من اجل الأسواق، فإن على علم بلاده أن يتبعه أينما ذهب، وعلى الأبواب المغلقة للأمم الأخرى أن تخلع، وعلى وزراء الولايات المتحدة أن يحملوا امتيازات أصحاب رؤوس الأموال، حتى ولو أدى ذلك إلى انتهاك سيادة الأمم الأخرى المتمردة، يجب خلق المستعمرات أو الحصول عليها، بحيث لا نهمل أو نتغاضى عن اصغر زاوية في العالم”.
وهكذا طبّق ويلسون عقيدته بغزوه المكسيك وجزيرة اسبانيولا التي تشكل هايتي وجمهورية الدومينكان، ومقولة الرئيس الأمريكي ويلسون تلخص طبيعة السياسة الخارجية التي تمضي عليها الولايات المتحدة، إلا أن بول نيتش رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1950م كان أكثر شجاعة ووضوحاً من وويلسون في كشف الطابع العدواني للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث يقول بول نيتش ما يلي:
“تمتلك الولايات المتحدة قوة كونية، لهذا سيكون من الضروري أن نحدد لنا عدواً كونياً، وعلينا أن نضفي على هذا العدو كل صفات الشيطان، بحيث يصبح كل تدخل أو عدوان للولايات المتحدة مبرراً مسبقاً، وكأنه عمل دفاعي تجاه خطر يشمل الأرض كلها”.
لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية العيش بدون عدو خاصة في العصر الحديث، حيث يقوم الاقتصاد الأمريكي على صناعة السلاح، بل أن مُلاك المجمعات الصناعية العسكرية هم الحكام الفعليون للولايات المتحدة الأمريكية، وهم من يُحددون سياستها الخارجية والداخلية القائمة على وجود العدو الذي يُهدد أمن العالم، وعلى فرضية أن الولايات المتحدة الأمريكية هي منقذ الكون من الأخطار المحدقة.
في خمسينيات القرن الماضي، حددت الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد السوفيتي وما أسمته بالإرهاب الشيوعي كخصم وعدو يهدد البشرية، وهكذا وجهت الولايات المتحدة الأمريكية كافة جهودها السياسية والمالية والعسكرية والإعلامية والثقافية في الحرب على الشيوعية، فتدخلت القوات الأمريكية عسكريا في عشرات الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بمزاعم تخليص هذه الدول من شبح الشيوعية، وتحت شعار الحرب على الشيوعية توسعت الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا ونهبت ثروات شعوب الأرض وأقامت الأنظمة عميلة والقواعد العسكرية وارتكبت ابشع المجازر بحق هذه الشعوب، وكانت هذه الجرائم ترتكب من قبل القوات الأمريكية مباشرة كما في غزو فيتنام وكوبا وتشيلي وبنما، أو عبر القوات المرتزقة كما في نيكاجروا وغيرها من دول أمريكية اللاتينية.
لم تقتصر الحرب الإجرامية التوسعية الأمريكية تحت يافطة مناهضة الشيوعية على المستوى الخارجي، ففي خمسينيات القرن الماضي خاضت الولايات المتحدة الأمريكية حرباً شعواء ضد القوى الديمقراطية والتقدمية واليسارية في أمريكا، وهي حرب تشبه جرائم محاكم التفتيش الأوربية، حيث تمت تصفية أجهزة الدولة الأمريكية من المثقفين اليساريين والتقدميين وعرفت هذه الحرب بالحرب المكارثية نسبة إلى جوزيف مكارثي عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، بدأت المكارثية بقائمة فيها 205 أسماء قيل انهم شيوعيون وجواسيس في الخارجية الأمريكية ثم امتدت المكارثية لجميع قطاعات المجتمع الأمريكي، وراح ضحيتها أكثر من مائتي شخص تم الزج بهم في السجون، فضلا عما يزيد على 10 آلاف تم طردهم من وظائفهم والتنكيل بهم وفق تهم ملفقة ،ومن هؤلاء مارتن لوثر كينغ و ألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلى تشابلن.
وبعد تفكك المعسكر الاشتراكي، اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية نحو استهداف العلم العربي والإسلامي، ووجهت جهودها الاستعمارية وقواها الطغيانية نحو محاربة “الإرهاب الإسلامي وعلى عكس الحرب على ما سمي بالإرهاب الشيوعي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت لها يد في صناعة ما سمي بالإرهاب الإسلامي بدءاً من صناعة ما يسمى” أسامة بن لادن” ومن يسموا أنفسهم بالمجاهدين الأفغان والعرب، كما رفعت الولايات المتحدة لأمريكية شعار محاربة الإرهاب الإسلامي لمواجهة أي قوى عربية وإسلامية مقاومة للمشروع الأمريكي والاحتلال الصهيوني، وتحت شِعار محاربة الإرهاب الإسلامي وحماية شعوب الأرض منها تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في عشرات الدول العربية والإسلامية، وصنفت الحركات الثورية والمقاومة للكيان الصهيوني كمنظمات إرهابية.