العقلية الأمريكية.. وسيادة الشعوب!
إب نيوز ١٨ إبريل
علي الشرجي
لعل أبرز التحديات التي يواجهها العالم هو تلك العقلية الأمريكية المنغلقة على ذاتها والتي تنظر للعالم من منظور ضيق ومتعال غير مدركة حقائق الواقع وخصوصيات الشعوب لذا لم تجَنْ تلك العقلية الأمريكية المتعالية سوى سخط الشعوب وجلب العداء لكل ما هو أمريكي ذلك ان عقلية السيد الذي يريد أن يتحكم في العالم وأن يديره وفق هواه متجاوزاً احاسيس الشعوب واعتزازها بكرامتها وسيادتها واجهت الكثير من الانتكاسات المتتالية بل وحصدت العداء والكراهية لها وهو ما كانت تلك السياسة في غنى عنه.
ومع أني كنت واحداً من الاشخاص المبهورين بالأنموذج الديمقراطي الأمريكي وبفضاءات الحريات التي كنت أجدها على صدر أعمدة الصحافة الأمريكية إلا أن هذه النظرة السابقة هي من تراجعت بفعل إيقاعات الحقائق والشواهد التي تعكس الآن ذلك الانبهار ربما هو الذي لم يبن على تقييم دقيق خاصة وأنا أرى أن ذلك البلد الذي يعلم الناس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان هو من ينأى بنفسه عن التعلم من تجاربه وانتكاساته الكثيرة بدءاً بفيتنام وانتهاء بافغانستان والعراق، ولذلك فليس بمستغرب إذا ما ظل الامريكيون يراكمون أخطاءهم وأحداً بعد الآخر أكان ذلك في نطاق تعاملهم مع الحرب على الارهاب أو على صعيد حسم المشكلات العالقة التي بدأت تشكل لهم منغصاً لايستطيعون التنكر لمتاعبه في قرارهم الداخلي، أو الخارجي لينجم عن هذه الإشكالية أنهم الذين استبدلوا منطق تصحيح الأخطاء بمنطق كسب الخصومة وخاصة في عالمنا العربي والإسلامي وهو ما يتجلى بصورة واضحة في إصرارهم على التدخل في مختلف الأمور وفق رؤيتهم لما يجب أن تكون عليه الأوضاع في عالمنا العربي والاسلامي دون احترام لخصوصيات هذه الأمة ودولها التي يفترض أن تكون ذات سيادة وليس من الحصافة أن يتحول بعض سفراء واشنطن فيها إلى مندوبين ساميين وليس مجرد سفراء ينبغي عليهم الالتزام بالمحددات التي يلزمها العمل الدبلوماسي وتكريس الجهود من أجل تعزيز العلاقات وتطوير مجالات التعاون المشترك.
وكأن أولئك السفراء يوحون تماماً إلى أن الديمقراطية التي تريدها أمريكا في عالمنا العربي والاسلامي يجب أن لاتخرج عن الانموذجين الآنفي الذكر حتى وهم يدركون أن تلك الديمقراطية هي من عجزت عن إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع افغانستان بل أنها التي لم تخرج تلك المجموعة من الارهابيين من جحور جبال تورابورا الذين مازالوا يشكلون خطرا داهما على هذا البلد وعلى العالم الإسلامي كله، والمجتمع الانساني برمته وبالمثل في العراق، ففي حين كنا في الوطن العربي والإسلامي نعتقد أن الحرب في هذا البلد قد انتهت بدخول بغداد، هاهم المراقبون يجمعون وبعد 17 عاماً من ذلك الحدث على أن الحرب لم تنته وأنها ماتزال قائمة وأن الدماء لاتزال تنزف في العراق والتفجيرات ما انفكت تقض مضاجع السكان، خاصة بعد أن اختلطت الأمور وتحولت الساحة العراقية إلى ملجأ لكل الهاربين والفارين من أوطانهم الذين سيطرت علىهم نوازع التطرف والتعصب والانفلات.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، لماذا تظل الولايات المتحدة متمسكة بتلك العقلية الجامدة، وتعتمد ذلك المنهاج الذي تسعى إلى تطبيقه قصرا على عالمنا العربي والإسلامي، مع أنها لا تجهل أن هذا المنهاج لن يجلب لها سوى المزيد من الكراهية والأحقاد من قبل الشعوب العربية والإسلامية التي باتت تلمس بشدة أن واشنطن ودبلوماسييها من هم يتعاملون مع البلدان التي تنتمي إليها هذه الشعوب وكأنها «دول الموز»؟
ألا تعلم واشنطن أنها بذلك الأسلوب تزرع وتترك الكراهية تنمو لتثمر عدوانية ضد مصالحها؟.. بل كيف لها أن تبرهن على مصداقيتها كحامية لحقوق الإنسان في العالم، وهي من تمارس كل ماهو ممكن من أجل انتهاك سيادة الدول وعدم احترام خصوصيات الشعوب.
فهل من مصلحة أمريكا ودبلوماسييها الذين يتطاولون على سيادة البلدان العربية والإسلامية ويجعلون من أنفسهم مندوبين سامين وليسوا دبلوماسيين، التبرير للأفعال الارهابية التي أصابت منطقتنا كما أصابت أمريكا خاصة وهي بذلك الأسلوب من التطاول إنما تدفع الناس دفعا إلى كراهيتها وزرع بذور الحقد عليها مع أن أحدا في العالم العربي والإسلامي لا تستهويه أو يرغب أن يكون في ذلك الموقع.
ومن الواقعية بل ومن المصلحة أن تسعى الولايات المتحدة إلى الاستفادة من تجاربها ودروس الماضي وإدراك حقيقة أن ما تحتاجه علاقاتها بالعالم العربي والإسلامي هو بناؤها على قاعدة الثقة والتكافؤ ومعالجة ما يشوبها من تناقضات وإشكاليات من أجل إكسابها ديمومة التواصل وتمتين المصالح وتشابك المنافع وتعميق التوافقات التي تفتح أمامها نوافذ الحوار وعلى أسس ثابتة وأفق إنساني تنتفي من جنباته عوامل الشك والريبة ويحل محلها الثقة والتكافؤ والاحترام المتبادل وصولا إلى علاقات سوية وشراكة مثمرة.