مدينة نفس الرحمن .
*محمود الخطيب
تأملت في حال المدينة، فوجدتها ملئت بالسكينة، وكأن الديار قد خلت من أهلها، وطغى الخوف في كل البلاد قاصدا، والذعر من هم البلاء جاثما على اسوار المدينة كلها، لكن وجدت صدا بكلمات على ارجاء المدينة سائدا، وله القلوب والاذان صاغية، وكأن المباني والجدران تتشرب الكلمات باكية.
إنها *مدينة صنعاء*، حين يتحدث ”سيد النجباء”، في محاضراته الرمضانية، محدثا ومذكرا بهدى الرحمن، منبها من الذنوب والخطايا والاثام، ومنذرا بخراب الاوطان، وشاكي الهجران لعل زمان الوصل يعود كمان كان.
لله در قوم نعمهم مولاهم بقربه، فحجبهم بهديه عن خطرات الوساوس. حمى إقليم قلوبهم من غبار الشهوات من فصاحته بحراس، قبلوا أمره بالقبول، وقاموا به على العينين والرأس، اتبعوا كلماته وزاد الأعمال لسفر الموت وظلمة الأرماس، يا أبطال ميدان الدجى لله دركم من أبطال وأفراس، أنتم الأحباب الأكياس، وأنتم خير أمة اخرجت للناس.
هكذا حال المدينة وهكذا حال الناس، ليال خلفة لمن أراد أن يتذكر، نصغي ونعمل كالبنيان. تركنا الأسباب والأهل والأوطان، فارقنا شهوات النفوس والأبدان، وخربنا ديار اللهو، فأقفرت منذ زمان، وطلقنا الدنيا بتاتا، وهجرنا الدار والسكان، سقينا من شراب الهدى شربة، شربنا واهرقنا على الأرض نطفة، وللارض فيض من علم الكرام. لبسنا لباس الجوع حلة، وتركنا خدمة من جل ومن هان، مستبشرين بصدى كلمات نفس الرحمن، هذه مدينة صنعاء، ومن بعدها تتوالى كل المدن، وصوت واحد يسمع، وهدى الرحمن بالأرض شمسا، وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا.
كم يذكرنا في كل عام عن رمضان، والتقى ولما فرض علينا الصيام، يسكت العقل عن طلب الشهوات، فيرتفع الوعي وتنزل علينا الروحانية والطمأنينة، ويدربنا الصيام لأن نكون في حالة سكينة في مرحلة صعبة يمر بها، كي يسكن، ويلقى الإنسان روحه التي ضيعها العقل البائس في البحث طوال السنة عن سخائف الأمور الزائفة والزائلة، فالروح هي نفحة الله الأنقى والمعيار الأساسي لاثبات حقيقة الإنسان التي خلق من أجلها، وهذه الروح هي التي تتولى مهمة إدارة هذا الشهر العظيم، فلماذا لاننتهز هذه الفرصة الثمينة التي يمنحنا الله إياها ونجعل أرواحنا تتصل مباشرة بخالقها وبدون أي حواجز نفسية
عسى رحمة الله تنالنا و ينتهي بنا المطاف إلى محطة التقوى وهناك نجد زاد الروح المؤمنة والتي نحن بأمس الحاجة إليها، وحينها ستتجلى أمامنا الغاية المقدسة من هذا الصيام. إن الفائدة العظيمة من هذه العبادات، تصل بنا إلى حالة من السكينة، وإن الصبر مخرج نفسي لأي مشكلة قد تواجه الإنسان، فالصبر حالة هدوء وسكينة، والتوكل ثقة وهدوء وسكينة، فبالهدوء والسكينة تنعدم المشكلة أي ما كانت، وكم نحن محتاجون إلى لحظة هدوء واطمئنان وسكينة، فإن نتائج العبادات تصل بنا إلى لحظة خشوع وأمان نفسي، وبالإيمان والعمل الصالح يصلح الله بالنا، وكم نحن بحاجة إلى حاجة من الأمن، في ظل هذا القلق، فأي الفريقين أحق بالأمن،
*الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون*