يوم في الجبهة (قصة واقعية)
إب نيوز ١١ مايو
د.أسماء_الشهاري
_1_
كنت أشعر أن حياتي فيها الكثير من الراحة والرفاهية. لكنني قررت أن أفارقها وأن أترك الأهل والأصدقاء وأذهب إلى عالم الارتقاء بعيداً عن كل تلك السعادة الدنيوية حيث السعادة المعنوية، لقد قررت أن أذهب إلى الجهاد وأن ألتحق بركب المجاهدين وأُسخِّر حياتي لذلك.
بدأت حكايتي مع هذه الرحلة التي كانت غاية في الجمال ولها مذاق خاص لم أعرفه من قبل على الرغم من كل المشقات و التحديات.
كنت ضمن مجموعة من أخوتي المجاهدين حيث سرنا مشيا على الأقدام لمدة ثلاثة أيام متتالية لم أشعر فيها بالتعب على الرغم من أني كنت في سن الخمسين.!
كنت أشعر معنوياً و جسدياً أني في العشرينات من العمر. هناك في الجبهة لا تشعر بالساعات ولا بالأيام عندما تكون متوجهاً لله بكل جوارحك.
كنّا نمشي ليلاً وفي النهار نقوم بالتدريبات في أماكن محددة لذلك.
اشتدت المعارك بعد ذلك حيث خضناها كأسود ضارية وألحقنا بالعدو هزائم متتالية وخسارات فادحة في الأنفس والعتاد على الرغم من أسلحتنا المتواضعة مقابل ما يمتلكه من ترسانة عسكرية. لكنهم ولجبنهم وخستهم وكعادتهم كلما خسروا في الميدان و فرّوا أمام بطشنا وسطوتنا كالجرذان، اتجهوا نحو القصف بالطيران.
كانت طائرات الأباتشي تُحلِّق بكثافة في المنطقة حيث كان القصف كثيفاً و عنيفاً، لكنها لم ترهبنا ولم توهن عزائمنا التي كانت تفوق صوت هديرها بكثير. و لكم كانت ترتعد فرائصها من أصوات بنادقنا..!
حينها انقطع عنّا المدد. فقررنا الثبات والصمود بما تبقى لدينا من بضع مأكولات خفيفة ومعلبة.. لكننا اكتشفنا أننا محاصرون..!
استمر الحصار علينا لعدة أيام أعاننا الله فيها على الثبات رغم كل شيء. كانت المعارك خلالها شديدة، لكنها هدأت بعد ذلك واستمر الحصار حين اكتشفنا نفاد الطعام ونفاد الذخيرة من السلاح.!
تم تبليغ رسالة لجميع المجاهدين في الجبهة بالانسحاب. لكنها لم تصل لي و لرفيقي المجاهد الصابر أبو الأشتر..
لم نكن نعرف أن بقية المجاهدين قد انسحبوا، عندها قال لي: يا أبو أحمد والله أني سأثبت في مكاني ولن أولي الدبر حتى يكتب الله لي النصر أو الشهادة.. فقلت له: و أنا كذلك يا صديقي..
دخل علينا الظلام ونحن نكاد نهلك من شدة الجوع والعطش وإذا بصاروخ يسقط قريب جداً منّا. حينها لم نستطع الحركة أو الانتقال من شدة الضغط والغبار وظلام الليل وقررنا الانتظار حتى انبثاق الضوء..
في اليوم التالي.. قرر رفيق جهادي أبو الأشتر أن يذهب بحثا عن الماء من سايلة يذكر أنها تقع قريبا من المنطقة أو لعلّه يجد شيئا من المؤونة التي كان يتم توزيعها في أماكن متفرقة من الجبهة. أما أنا فلم أستطع الذهاب معه لأني كنت أشعر أني أكاد أموت من شدة التعب..!
قال لي: إنه سيعود بشيء من الطعام والشراب أو المؤونة وأنه لن يتأخر. ولم أكن أعرف أنها آخر اللحظات التي ستجمعني به..
تأخر صديقي في العودة وأنا في حالة من الإرهاق الشديد. كانت عيناي تطالعان إلى مكان ذهابه علّها تكتحل بطلته البهية. و بعد ساعات وبينما أنا كذلك رأيتُ مجموعة تتقدم نحوي. ابتسمت ابتسامة خفيفة سرعان ما زالت من تلك الرايات السوداء و الوجوه المتجهمة. عرفتُ أنهم الدواعش.. كنت أمتلك سلاحي الشخصي لكني لم أتمكن من حمله بيدي من شدة الإعياء و العناء. رغم منظرهم القبيح وكأنّهم رؤوس الشياطين إلا أني شعرت بشيء من السكينة تتسلل إلى نفسي بهدوء وغفوت إثرها غفوةً قصيرة لم أفق إلا وأنا بين يدي أولئك الأوباش وسلاحي لديهم، عرفتُ حينها أني وقعتُ في الأسر.. والحمدلله،،
يتبع؛؛