عطوان : المقاومة اللبنانية بقيادة السيد نصر الله تحتفل بالذكرى العشرين لتحرير جنوب لبنان.. لماذا كان هذا النصر محوريا غيّر كل المعادلات في المنطقة؟
عبدالباري عطوان :
المقاومة اللبنانية بقيادة السيد نصر الله تحتفل بالذكرى العشرين لتحرير جنوب لبنان.. لماذا كان هذا النصر محوريا غيّر كل المعادلات في المنطقة؟ وهل سيتكرر قريبا في الجبهة الشمالية والشرقية؟ وما هي ابرز دروسه المستخلصة؟ وبماذا اعترف الجنرال اشكنازي آخر الضباط المنسحبين؟
لسنا من الكتاب الذين يتسارعون للكتابة في الذكرى السنوية للأحداث، والمفاصل التاريخية الهامة، تجنبا للتكرار، واستخدام العبارات نفسها، ولكن نجد من الصعوبة تجاهل مرور الذكرى السنوية العشرين للانتصار الكبير للمقاومة اللبنانية يوم 25 أيار (مايو) عام 2000، وخروج القوات الإسرائيلية مهزومة مهانة تقليصا للخسائر، ومن المفارقة ان الجنرال غابي اشكنازي وزير الخارجية الحالي في حكومة نتنياهو كان آخر ضابط إسرائيلي ينسحب من الأرض اللبنانية في حينها.
انه الانتصار الأول الذي يؤرخ لتحرير ارض عربية من الاحتلال الإسرائيلي من خلال حرب التحرير الشعبية، وعلى ايدي رجال المقاومة اللبنانية، ويجبر الاحتلال على الهروب، ومن طرف واحد، ودون توقيع أي اتفاقات، او معاهدات سلام، ليتلوه انتصار آخر، في صيف عام 2005، وبالإسلوب نفسه في الجنوب الفلسطيني المحتل، أي قطاع غزة.
عام الفين، كان نقطة تحول رئيسية في تاريخ ثقافة المقاومة، عنوانها تحولها، أي المقاومة، الى بديل للجيوش العربية التقليدية، او مكمل لها، واتباعها استراتيجية فاعلة ومثمرة، اول ابجدياتها رفع كلفة الاحتلال من خلال الحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر المادية والبشرية في صفوف قواته بحيث لا تستطيع القيادتان العسكرية والسياسية تحملها، مما يدفعهما الى الرضوخ للضغوط الشعبية، ورفع راية الاستسلام، والتقاعد في سلة زبالة التاريخ.
***
الجنرال اشكنازي الذي تحول الى رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية، وهو تحول لا يمكن ان يحدث الا في دولة الاحتلال العنصري، اعترف امس في تصريحات صحافية بأمرين: الأول ان المواجهة لم تنته في الجبهة الشمالية، وانه ترك افضل زملائه وقادة جنوده على الأرض اللبنانية، وكان مصيبا في الحالين، لان عدد القتلى من الإسرائيليين طوال عمر احتلالهم لجنوب لبنان الذي استمر 18 عاما بلغ 1200 عسكريا، علاوة على اكثر من عشرة آلاف جريح ان لم يكن اكثر، وكان يسقط جندي إسرائيلي كل أربعة أيام برصاص المقاومة، ونحن هنا لا نحصي آلاف القتلى من العملاء من قوات الجنرال أنطوان لحد، وقبله سعد حداد، الذين خانوا امتهم وقبلوا ان يكونوا أدوات لاحتلال ارضهم، وانتهى بهم المطاف باعة فلافل منبوذين في شوارع فلسطين المحتلة، ونحن نتحدث هنا عن الجنرال لحد تحديدا، وهذا هو المصير نفسه الذي ستواجهه قوات الامن الفلسطينية وقيادتها اذا استمرت في التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال.
المقاومة اليوم غير المقاومة قبل عشرين عاما، فبعد ست سنوات من هذا الانسحاب الإسرائيلي المهين، حاول ايهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، ان يعيد الاعتبار لجيشه، وغسل عار هزيمته بشن عدوان على جنوب لبنان، ولكن النتائج جاءت اكثر من كارثية، والهزيمة مضاعفة وواجه الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم الهزيمة الأكبر في تاريخه حتى الآن، والهزيمة القاصمة لظهره قد لا تكون بعيدة.
شاءت الاقدار ان ازور متحف “مليتا” الذي اقامته حركة المقاومة الإسلامية اللبنانية بزعامة “حزب الله” في جنوب لبنان، واعترف ان دموعي سالت فرحا وانا أرى العتاد العسكري الإسرائيلي منكسرا في زواياه، ودبابة “الميركافا” فخر الصناعة الإسرائيلية ذليلة محطمة بضربة صاروخ مقاوم مبارك، ولم تقم لها قائمة منذ ذلك التاريخ.
المقاومة اليوم، سواء في جنوب لبنان، او قطاع غزة، باتت الرقم الأصعب لما تملكه من خبرات قتالية، ومنظومات صواريخ وطائرات مسيرة، ومقاتلين اشداء، وقيادة صلبة قادرة على اتخاذ القرار بالحرب، ويحسب لها الاحتلال الإسرائيلي الف حساب، لأنها تستعجل الشهادة.
لمم يجرؤ الجيش الإسرائيلي، ولا طائراته ودباباته الامريكية الصنع التقدم مترا واحدا في جنوب لبنان او قطاع غزة لان قيادته تدرك جيدا ان الرد الصاروخي سيكون مزلزلا، وسيدفع بملايين المستوطنين الاسرائيليين للهرولة الى الملاجئ ايثارا للسلامة، وهنا تتجسد عظمة المقاومة.
***