ليتوقف البعض عن دفن رؤوسهم في الرمال!
عبد العزيز البغدادي
لم يكن من الصعب على من له عقل رؤية كون حلم اليمنيين بالوحدة التي رفعت رايتها في22/ مايو/ 1990على يد سلطة معروفة بفسادها أو صراعها البيني ذاهباً إلى التشظي، فمثل هذه السلطات غير مؤهلة لتحقق حلما كهذا لعجزها عن فهم أهمية الشراكة مع المجتمع في صنع القرار فهي ترى نفسها صاحبة الحق الحصري فيه بالمخالفة للدستور، وبعض رؤساء الجمهوريات يرى نفسه ظل الله في الأرض وله صلاحيات الملوك أو يفوقهم أحياناً مع دندنة الإعلام الرسمي بأن الشعب هو مالك السلطة !؛
في ظل هكذا سلطة رُفِعَتْ راية الوحدة وأصبح رأسها يظنها من أمجاده بعد إقصاء شريكه لتخفق القلوب الصادقة والمحبة خوفاً عليها بعد تعميدها بالدم بالحرب القذرة التي أَحلَّت 7/ 7/ 1994 في وجدان النظام بديلا دمويا لوحدة 22/ مايو / 1990 السلمية !!؛ وصار القاتل الأعلى بطلاً للثورة والجمهورية والديمقراطية والوحدة برعاية وتوجيه نفس رعاة العدوان وضمن نفس المعزوفة الإعلامية الهزلية التي عانى منها الشعب لعقود وحين قال من قال: (المقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة) وهي قاعدة ذهبية في علم الرياضيات والفلسفة والمنطق أُتهم بالنزعة الانفصالية !!!؛
قبل أمس قرأت منشور للأخ الدكتور يسن سعيد نعمان بعنوان: (ليتوقف البعض عن الرغي) جاء فيه: (يصبح المهزوم في المعارك الكبرى موضوعاً للتندر رغماً عن وجاهة حججه، لا ينصفه أحد، يهيلون التراب على كل صوت يرتفع دفاعاً عن موقف تأريخي يفضح المنتصر، وتحدث عن المرجفين الذين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير! كما قال وعمن أسماهم أصحاب الأصوات العالية باذلين (كل جهد لتمريغ الوقائع التاريخية في تراب النفاق ويواصلون تفريغ التأريخ من شحناته ليلقوا به جثة هامدة أمام سماسرة التسلط والهيمنة، في هذا السياق يتحدث البعض هذه الأيام بسخرية عن قيادة الجنوب التي وقعت على الوحدة فينسب سبب فشلها إلى أن (الاتفاقية التي تمت بين الدولتين كانت من صفحتين فقط ولم تشمل قضايا جوهرية كان يفترض أن تشملها !!) وأضاف : ( وعندما تسأل بعضهم عن طبيعة هذه (القضايا الجوهرية) ؟: يرد بأن طبيعة الدولة التي كان يجب أن تقوم وكذا نظامها ومحتواها أغفلتها الاتفاقية ) ، ويقصد بالدولتين الكيانين السياسيين اللذين حكما الشمال والجنوب أو بالأصح تحكّما بمصيره ثم يعقب بقوله : ( حدث بهذا المستوى لا يجب أن يتم التعامل معه بهذه الخفة وإنما يجب البحث في عمق وجوهر الأسباب الكامنة في وعي اجتماعي وسياسي متنفذ تعامل مع الوحدة على أن طرفاً هرب إليها وآخر كان مضيفاً وتصرف من موقع أن هذا الهارب يجب أن يقبل بشروط الضيافة – من هذا السبب تناسلت الأسباب والتداعيات والحروب ومن ثم السقوط ) ، ودعاهم في نهاية منشوره إلى ( التوقف عن الرغي وأورد حقيقة كان ينبغي أن تكون في حسبانه كأي مشارك فاعل في السلطة وهي أن :(الارتقاء بالوعي إلى مستوى الأحداث الكبيرة عملية معقدة ونضالية وتشاركية)،المنشور بهذا التكثيف والتكييف تضمن نقاط بحاجة إلى مناقشة واسعة وفيما تسمح به مساحة اليوميات أضع الملاحظات التالية :
1 – حديثه عن الوحدة حديث مفكر من خارج السلطة في حين أنه عند توقيع الوحدة كان أحد أقطابها في الجنوب وهو الشطر الذي ترعرع الفكر الوحدوي في أحضانه وبالذات مدينة عدن ومنها كان الاندفاع الجامح نحوها ومن المعلوم أن الأستاذ علي سالم البيض هو الداعي للوحدة الاندماجية التي نعيش نتائجها فهل تعامل مع حدث كهذا تعامل شيخ قبيلة مستبد؟!!.
2 – لا أرى أكثر استخفافا بالعقل من حديث رئيس وزراء في سلطة اشتهرت بقبضتها الحديدية وهو كذلك رئيس أول مجلس نواب في دولة الوحدة لأن ذلك يعني عدم العلم بنزعة التسلط والإفساد بل والإجرام لدى سلطة الشمال التي مدت إليها سلطة الجنوب يدها لتحقيق هذا الهدف النبيل على ذلك النحو العاطفي فإن كانت لا تدري فتلك مصيبة وإن لم تكن تدري فالمصيبة أعظمُ كما يقول الشاعر ونحن هنا نفترض براءة سلطة الجنوب، ولكن لا ينبغي تجاهل ما ينسب إليها من جرائم أخرى أبرزها التصفيات البينية أي بين رفاق الدرب !،.
3 – ليست المشكلة في عدد صفحات اتفاقية الوحدة أو الدستور أو القوانين التي جرى ترقيعها وهندستها بحجة إنهاء حالة التشطير وإنما في جوهر هذه الوثائق المهمة،
4 – للإسهام المتواضع في الرد على تساؤله عن (القضايا الجوهرية) التي كان المفترض النص عليها في اتفاقية الوحدة ودستورها مثلاً أن تكون المادة الدستورية الخاصة بتحديد مدة الرئاسة بدورتين فقط، ومواد أخرى غير قابلة للتعديل لضمان عدم المساس بها من ذوي النزعات التسلطية.
5 – أن تحدد الفترة الانتقالية في اتفاقية الوحدة بمدة عامين قابلة للتجديد وأن تكون رئاسة مجلس الرئاسة خلالها بالتداول كل ستة أشهر بين الرئيس ونائبه باعتبارهما شريكي الوحدة الرئيسيين!.
6 – هذا التململ من النقد يعبر عن نزعة تسلطية واضحة، وسر من أسرار استمرار دفن الرؤوس في الرمال، وارتماء البعض في حضن شريك الوحدة رغم ما عليه من ملاحظات أشرنا لبعضها وهو نفس السبب الذي دفع بالمندفعين إلى الارتماء في حضن العدوان الجمهوري الديمقراطي باسم الدفاع عن الشرعية !،
7 – أن حاجة اليمنيين لمعرفة الفرق بين وحدة الاندماج العاطفي وبين الوحدة التي توازن بين العقل والعاطفة كحاجتهم لمعرفة الفرق بين جريمة العدوان الممول والموجه وبين الدفاع عن سيادة الوطن كواجب وطني وديني وأخلاقي، وهم أكثر احتياجاً لحوار حقيقي يتبناه ويشارك فيه حكماء يمنيون حقيقيون غير قابلين للاحتواء أو التفريط في مصير وطنهم بالبيع والشراء.
الله أكبرُ من همسِكُمْ والصراخْ
وكل الدعاوى وكل المِلَلْ.