عطوان: ماذا بعد وصول قافلة ناقلات النفط الإيرانيّة “سالمةً” إلى فنزويلا؟ وكيف تغيّرت قواعد الاشتِباك بين إيران وأمريكا؟
Share
إب نيوز ٢٧ مايو
عبدالباري عطوان:
ماذا بعد وصول قافلة ناقلات النفط الإيرانيّة “سالمةً” إلى فنزويلا؟ وكيف تغيّرت قواعد الاشتِباك بين إيران وأمريكا؟ ولماذا تعمّد المُرشد الأعلى نشر صورة قادة محور المُقاومة يُصلّون في باحة الأقصى في تزامنٍ مع وصول هذه القافلة؟ وكيف نرى السّيناريوهات المُقبِلَة؟
أربع ناقلات نفط إيرانيّة وصلت إلى الموانئ الفنزويليّة، والخامسة في الطّريق وسط صمتٍ أمريكيٍّ لافتٍ، واحتفالات مُزدوجة إيرانية فنزويليّة بهذا الانتِصار الكبير لمحور المُقاومة الذي امتدّت أذرعه الضّاربة إلى القارّة الأمريكيّة الجنوبيّة بل والحديقة الخلفيّة للولايات المتحدة.
ناقلات النفط الإيرانيّة الخمس لا تحمل مشتقّات نفطيّة (بنزين وسولار) فقط لهذا البلد الحليف المُحاصَر، الذي بات عُضوًا أصيلًا في هذا المحور، وإنّما أيضًا قطع غيار وخُبراء لإصلاح المصافي الفنزويليّة لكيّ تعود إلى العمل بعد أشهر من التوقّف، وفوق هذا وذاك، رسالة قويّة إلى الرئيس دونالد ترامب وإدارته تقول إنّ حِصاراتكم تتآكل، وتنتقل من فشلٍ إلى آخر، وتُعطِي نتائجَ عكسيّةً تمامًا.
إدارة الرئيس ترامب، أرسلت تهديدات إلى إيران، عبر وسطاء خليجيين، تقول فيها إنّها ستمنع وصول هذه النّاقلات إلى فنزويلا حتى لو استدعى الأمر إلى استِخدام القوّة، ولكنّ القِيادة الإيرانيّة، سَخِرَت منها، وها هي قافلة سُفنها تسير “بدلالٍ” في البُحور والمُحيطات المفتوحة، والكِلاب الأمريكيّة تنبح.
***
إنّه تغييرٌ كبيرٌ في قواعد الاشتِباك بين إيران والولايات المتحدة، أبرز عناوينه تقول إنّ جميع السّفن وحاملات الطّائرات والقواعد الأمريكيّة في مِنطَقة الخليج في مرمى الصّواريخ الإيرانيّة البالغة الدقّة، ولولا تأكّد الإدارة الأمريكيّة من جديّة هذا التّهديد الإيراني بالانتِقام لنفّذت خططها باعتِراض هذه النّاقلات ومنعت وصولها إلى فنزويلا.
الرّسالة الإيرانيّة الأهم من خِلال الإقدام على هذا التحدّي، والمُضِي قدمًا في خطوةِ إرسال النّاقلات الخمس، مُوجّهةٌ إلى أعضاء محور المُقاومة وحُلفائه في العالم بأسره، تقول بأنّ إيران لن تخذلهم أبدًا، وتقف إلى جانبهم بقوّةٍ في مُواجهة أيّ غطرسة أمريكيّة أو إسرائيليّة.
الصّورة التي نشرها موقع السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثّورة الإيرانيّة وتجمع عددًا من قادة محور المُقاومة مِثل السيّد حسن نصر الله (حزب الله)، وإسماعيل هنية (حماس)، وعبد الملك الحوثي (أنصار الله)، وزياد النخالة (الجهاد الإسلامي)، محمد أحمد حسين (مُفتي القدس)، يُصلّون في باحة المسجد الأقصى، تُؤكِّد هذه الحقيقة، مثلما تكشف في الوقت نفسه أجندات المُستقبل وسيناريوهاته، وعلى رأسها تحرير القدس المحتلّة، ونشر هذه الصّورة في وقتٍ تقترب فيه هذه النّاقلات من السّواحل الفنزويليّة لم يَكُن مُجرّد صدفة.
كان لافتًا أنّ النّاقلات الخمس، وعلى عكس النّاقلة الإيرانيّة التي جرى احتِجازها قبل عام في مضيق جبل طارق، مرّت عبر قناة السويس دون أيّ مُضايقات، أو منع (النّاقلة المُحتَجزة اضطرّت للإبحار عبر رأس الرّجاء الصالح) ممّا يعني أنّ السّلطات المِصريّة أعطتها الضّوء الأخضر، ولم تعد تلتزم بالحِصار الأمريكيّ على إيران ومُتطلّباته، وهذا تحوّلٌ استراتيجيٌّ مُهِمّ.
جميلٌ أن تكون حافظًا للجميل ورادًّا له هذه الأيّام، فالقِيادة الإيرانيّة لم تنس فضل فنزويلا عندما وقفت إلى جانبها في ذروة الحِصار الأمريكيّ عليها، وطار رئيسها هوغو شافيز إلى طِهران عام 2008 حامِلًا معه قطع غيار للمصافي الإيرانيّة، وموقفًا قويًّا بالدّعم في وقتٍ خذلها الجميع، وها هي إيران تَرُد الجميل حتّى لو كلّفها ذلك الدّخول في حربٍ مع أمريكا لن تكون في الخليج فقط، وإنّما في مضيق باب المندب، وجبل طارق، والبحر الكاريبي أيضًا.
إيران التي كانت تستورد المُشتقّات النفطيّة لتغطية حاجاتها المحليّة من البنزين والديزل باتت تُصدِّرها إلى الخارج، وخاصّةً إلى حُلفائها في سورية وفنزويلا، بعد أن بنَت 11 مصفاة جديدة عام 2018 مُحَقِّقةً بذلك الاكتِفاء الذّاتي.
***
نختم بالقول إنّ إيران نتَفَت ريش غُرور ترامب، وتحدّته وهزمته في عُقر داره، ومن محاسن الصُّدف أنْ تأتي هذه الهزيمة في وقتٍ تُشَكِّك فيه إدارة “التويتر” بتغريداته ومصداقيّتها، وتُحذِّر القرّاء من أخذ المعلومات الواردة فيها بجديّةٍ.
ألمْ يَكُن ترامب هو صاحب نظريّة “الأخبار الكاذبة” والمُحذِّر منها، ها هو يُثبِت أنّه أكبر مُروّجٍ لها، وأحسنت القِيادة الإيرانيّة صُنعًا عندما كانت من أبرز الواعِين لهذه الحقيقة.