أموال الوقف وفساد النظام السابق .
إب نيوز ٥ يونيو
منير إسماعيل الشامي
إن من أهم ما يميز اليمن دون سائر الأقطار العربية والإسلامية هو كثرة أموال الوقف فيه ولا مبالغة إن قلنا أنه لو قورنت أوقاف اليمن مع أوقاف البلدان العربية و الإسلامية لفاقت الأوقاف اليمنية على أوقاف الكثير من الدول الأكبر منها مساحة واﻷوفر ثرواتا واﻷكثر سكانا، ويرجع ذلك إلى اﻹيمان الصادق الذي تميز به اليمنيون عبر اجيالهم المتعاقبة، وحرصهم على التقرب إلى الله تعالى بوقف جزء من أموالهم في مختلف أبواب البر جيلا بعد جيل سواء كانت للمساجد وتوفير احتياجاتها أو لمدارس التعليم أو للحث على العلم أو قراءة القرآن أو للفقراء والمساكين أو لغير ذلك
ولذلك تكاثرت أموال الأوقاف مع مرور الزمن في مختلف المناطق اليمنية وعلى حد سواء في المدن أو الأرياف، لدرجة أن بعض المناطق أصبحت أغلب أراضيها أراضي وقف، وخلال تعاقب الدول والأنظمة على اليمن ظلت أموال الوقف في تزايد مستمر ولم يقدم أي نظام على التسلط على أراضي الوقف والتصرف فيها لمصلحته اطلاقا بل على العكس ساهمت بعض الأنظمة في زيادتها ﻷراضي الوقف عن طريق إيقاف بعض افرادها لأراضي واسعة تقربا إلى الله، وانتشرت ثقافة قداسة أراضي وأموال الوقف وحرمتها في المجتمع وترسخت في نفوس اليمنيين جيلا بعد جيل وظلت على هذا الحال حتى نظام المجرم عفاش والذي تسلط عليها وجوز لنفسه استخدامها لمصلحته وتصرف فيها وفق إجراءات قانونية قديمة لا تتناسب مع تغير اسعار الزمان والمكان، إذ أنه كان من المفروض عليه أن يوجه بإدارتها وفقا لأسعار الزمان والمكان وسن قوانين لحمايتها واستمراريتها ودوام ريعها وموارد ما تم تأجيره منها من قبل وزارة الأوقاف ومكاتبها
ليس ذلك فحسب بل أصبحت الوظيفة في الأوقاف بعهده حلم يتوق الوصول إليه الآلاف ولا يبلغه إلا من كان عفاش وحاشيته راضون عنه، ومن وصل إليها فقد بلغ طريق الغنى والسعة في الرزق نتيجة لضعف الإيمان والجهل بحرمتها وفداحة وزر من يعبث بها لمصلحته الشخصية.
ولذلك فقد تعرضت أموال الوقف واراضيه خلال فترة حكمه لأكبر عمليات فساد شهده اليمن في تاريخ أوقاف بالنهب والسطو عليها ببسط اليد واﻹغتصاب لها اوالصرف والتصرف بها بالرشاوي والمجاملات والمحسوبية وغير ذلك، ودون تدوين وتوثيق لها وما كان يؤجر منها كان بأسعار زهيدة واتاوات كبيرة ذهبت إلى جيوب المتنفذين والفاسدين من موظفي الأوقاف كما حدث إضافة الى ذلك إهمال متعمد من قبل مكاتب الأوقاف لتحصيل ايجاراتها مما دفع بكثير من المستأجرين من قصارى الوعي وضعيفي الإيمان إلى اعتبارها أموال حر مملوكة لهم ودون خوف من الله أو خشية له
فبددت معظم اراضي الوقف خاصة في المدن التي استمرت أسعار الأراضي فيها في ارتفاع مستمر ومتضاعف دون توقف وصارت مرتعا للفاسدين خصوصا في ظل فوضى الفساد التي تبناها عفاش خلال فترة حكمة وغياب المسألة والعقاب على أي اعتداء أو تفريط أو نهب للمال العام بوجه عام وللاوقاف بوجه خاص، ونتج عن ذلك اتساع عبث العابثين باراضي وأموال الوقف في كل منطقة وترافق مع اخفاء مستندات تلك الاوقاف وسجلاتها فضاعت معظم أراضي وأموال الوقف.
وفي ظل الفوضى التي كانت في أموال الوقف أصبح من الصعب جدا اليوم استعادة هذه الأموال والأراضي بصورة مباشرة ولم يعد متوفر امام وزارة الاوقاف سوى ذمة المستأجر أو ورثته إن كانت لهم مروءة وفي قلوبهم خشية من الله
وفي ظل هذا الوضع ايضا فإن على الوزارة اليوم أن تتحمل مسؤوليتها أمام الله تجاه ممتلكات الاوقاف وستظل معنية بالبحث والتحري عن كل وثائق الأوقاف وعن سجلاتها ومتابعة واسترداد ما ظهرت وثائقها بقوة وحزم ، وتجديد العقود لما هو مؤجر منها وثابت بسعر الزمان والمكان، وحسن إدارة واستثمار ما تبقى منها بشفافية ووضوح ووفق ما يرضي الله سبحانه وتعالى.