مرحبا بكم في أمريكا ..

 

إب نيوز ٦ يونيو

عبدالملك سام

مبروك .. بعد معاناة مريرة أستطعت أن تحصل على “فيزا” وستعمل مع أحد اقاربك ، تقوم بترتيب أمورك وتجهيز حقائب السفر ، تبيع قطعة الأرض وتصرف المبلغ دولارات ، ثم تطير إلى الولايات ، أرض الأحلام والعم سام .. تصل بعد رحلة مضنية إلى هناك ، وطابورك يتأخر بسبب الإجراءات الأمنية ، وأنت مضطرب وتمني نفسك بالسعادة والثراء .. يأتي قريبك لأستقبالك فلا تعرفه في بداية الأمر بسبب “الكاسكت” والجينز وكل تلك الطنافس التي تغطيه ، تصيح فيه مازحا : “كيفك يا يهودي” ، فيضع أصبعه على وجهه وهو يتلفت أن أسكت ! فتستغرب وتقول محرجا : “كأنك شاذ يا وغد” ، فيسحبك من تلابيب ثيابك ويعلمك القاعدة الأولى : “أنت لست في اليمن ، لا تسخر من اليهود والشواذ هنا” ! .. فتسكت وأنت مندهش من بلد الحرية التي تقمعك منذ لحظة وصولك !!

مرت الأعوام عليك وأنت تعيش هناك ، تعمل وتوفر المال ، وقد أتيت بأسرتك .. قبل شهور اضطررت أن تنفذ عملية إجلاء لأبنك الكبير الذي أعتاد تدخين “الماريجونا” او الحشيش ، وطبعا هنا لا يمكنك أن تضغط عليه لتربيه كما في بلدك ، لذا فقد خططت لما يجب فعله ، سوف تبعثه في إجازة لليمن ، وهناك أتفقت مع جده أن يسحب منه جواز السفر ويبقيه في اليمن ، فمؤخرا أكتشفت أن لديه مسدس وعشيقة سمراء ، وأنت تخاف عليه من الجريمة والإيدز ، كما أنك لم تستطيع أن تجعله يعمل او يصلي ، فالبيئة تشجع الشباب على الأنحلال ، والقانون لا يحمي الأباء الحريصين !

أبنتك صار عمرها 18 سنة ، وأنت محتار كيف ستفعل لتبعدها عن “جون” زميلها في المدرسة ، وتشعر بقلة الحيلة وعدم التركيز في عملك بسبب أنشغالك بعائلتك ، وتحس بالندم لأنك لم تصدق “سعيد” أبن عمك الذي نصحك ألا تجلب عائلتك من الوطن ، فأنت لم تعجبك حياة سعيد الذي تزوج زنجية ليحصل على الجنسية ، فهو مضطر لأن يغض الطرف عن علاقاتها مع آخرين حتى تمر الفترة القانونية ، وقد دفع لها مبلغ 20 الف دولار ليحقق هدفه ، بينما أنت فضلت أن تبقى بدون جنسية وتجلب أم عيالك لتطمئن بقربها منك .. لكن هذا ال”جون” لا يكف عن محاولات الأنفراد ببنتك الساذجة ، أنت تعرف ماذا يريد ولكنك لا تجروء على الفتك به ، أنت في بلد “الحرية” كما يقولون ، فماذا تفعل ؟!

أما أبنك الصغير فوضعه مأساوي كما يقول ، في المدرسة لا هو زنجي ولا أبيض ، لذلك فالكل يتنمر عليه ، وغالبا يعود من المدرسة وقد نال علقة معتبرة من “مايكل” او “ستيف” ، أو وبخته معلمة الصف بسبب عدم تركيزه ، ومؤخرا طلب منك خنجر ليدافع به عن نفسه ! وعندما نصحته بألا يفعل أتهمك بالجبن .. حاولت أن تعوض عليه ببعض المال والهدايا ولكن دون جدوى ، وكل يوم يعود لك وقد سلبه بعض الأشقياء ما كان يحمله من مال ! فتسأل نفسك : “هل هذه مدرسة أم سجن ؟!” ..

بعد 12 عاما تجلس مع زوجتك لتتناقشا ، وتتخذ قرار العودة إلى بلدك ، ويسعدك أن زوجتك أفصحت عن سعادتها بهذا القرار لأنها أشتاقت لبلدها وأهلها الطيبين ، وتقرر ان تصفي جميع اعمالك .. تبيع كل شيء وتتجهز للعودة وسط تذمر أبنتك وترحيب أبنك الصغير ، وتعود محملا بالأمل كما جئت به قبل سنوات إلى أرض الأحلام ، لا يهم أن تكتشف ان أبنتك قد فقدت عذريتها ، أو ما يحمله أبنك الصغير من عقد نفسية ، او طباع أبنك الكبير الذي أصبح مجرما عتيدا ، المهم أن تعود لتصلح ما أفسدته امريكا وعنصرية وثقافة أمريكا ! ستبني عمارة بما جمعته لتعيش من إيجارها ، ولا يهم ايضا إن كان سعر الأرض الذي بعتها قبل قدومك قد أرتفع لدرجة أنها كانت تكفي لتبدأ مشروعا او تبني عمارة .. المهم أن تعود ، والأهم أن تنسى كل ما عانيته هناك .. تعود لأرض الأحلام الخاصة بك ، بلدك ، وبين أهلك الطيبين ..

You might also like