شبح الموت .
إب نيوز ١٢ يونيو
أشجان الجرموزي….
بعد أن أنهيا صلاتهما ذهبت هي لتعد طعام الإفطار الذي كان يحب أن يتناوله مبكراً ، عادته الدائمة منذ أن اجتمعا تحت سقفٍ واحد ، وما إن انتهى من إفطاره حتى هم بارتداء ملابسه لأنه ذاهب في مهمة جهادية من ضمن المهام الموكلة إليه أخذ زجاجة عطره ليبعث منها بعض الزخات إلى ملابسه وكذا يتصاعد دخان البخور من بين ملابسه تلك عادته كل يوم خاصة عندما يذهب في مهمة إلى إحدى الجبهات ، ودعها مرفقاً لها بعض النصائح القيمة وهي لاتدرك مايقول سوى أنها ترى وجهه يشع نوراً وكأن حدثاً ما سيحدث بسبب ذاك النور ، هم بالخروج فنادته لاتعلم ماكانت تريد قوله إلا أنها نادته فحسب ، وبعد برهة قالت له اعتني بنفسك وعد في أسرع وقت فكما تعرف أنني أخاف المكوث وحدي طويلاً ، فأخبرها بأن تعتاد على العيش بمفردها فترة طويلة فلربما يأتي طارئ لايسمح له بالعودة سريعاً ، اكثري من قراءة القرآن والتسبيح والاستغفار والدعاء بالنصر لكل المجاهدين ، نظرت إليه نظرة أخيرة وقالت إلى اللقاء وكان يقيناً بداخلها يخبرها أن تلك الكلمات نطقها لسانها فقط فقلبها لم يهدأ من الاضطراب .
أنطلق ذلك المجاهد متوجهاً إلى إحدى الجبهات لرفدها بالسلاح هاتفته لتطمئن عليه فأخبرها بأنه بخير وقد اكمل بعض الأعمال في المدينة وهو الآن قد تحرك بإتجاه جبهته اقفلت سماعة الهاتف ولم تلبث أن وضعته جانباً وإذا بإشعار يعلن عن وصول رسالةٍ قيل فيها
(جعلك الله كمريم العذراء وكزينب الحوراء وكسيدة النساء فاطمة الزهراء ورزقني الله واياكي الجنة، وإلى الملتقى بإذن الله ) كانت تلك هي آخر كلمات بعث بهآ إليها ، شعرت وكأن شيئاً ما سيحدث ،هاتفته مجدداً إلا أنها وجدته مغلقاً فزادت شكوكها وتحشرج صوتها وامتلئت عيناها بالدمع ، عادت لتهاتفه من جديد أكثر من مرة ولكن لامجيب
هدأت من نفسها وصبرت نفسها ببعض الكلمات بأنه لربما انشغل أو انتهى شحن هاتفه مع أنها تعلم أن تلك الأعذار الواهية غير مجدية فهناك ناراً تتوقد وتسعر في صدرها ، وبعد ساعتين من الإنتظار رن هاتفها لكن ليس رقمه بل إنه رقم غريب يا ترى من هو اخذته بيدين مرتعشتين وعينان زائغتان وكأنها تحتضر لتسمع خلف سماعة الهاتف بأنه هنيئاً لك بالفخر فزوجك قد ارتقى شهيدا
تمالكت نفسها قليلا بقوة لاتعلم من أين استمدتها إلا أنها قالت كيف واين ومتى قال المتصل : لقد تعرض لغارة غادرة وهو في طريقه إلى الجبهة وحدث ذلك قبل ساعتين من الآن أيقنت أنها رسالة الوداع التي بعث بها إليها قبل استشهاده بدقائق اغلقت الهاتف لتترك لنفسها المجال أن تغرق بين دموعها وأناتها ، تغرق بين نحيبها واشتياقها
وكيف لا وهو من تبقى لديها فقد فقدت جميع أسرتها إثر غارات العدوان الهمجية ، فقد كان بمثابة أباها وأخاها كان زوجها وصديقها كان الدرع الحامي لها ، لم يعد لديها بعد الله أحد اجهشت بالبكاء خارت قواها ذهبت لتشتم عطره في ملابسه ورأت ذاك الثوب الأبيض الذي أصر أن يرتديه وهي منعته بحجة أنه جديد وستتركه للعيد ولن تدعه يفسد بريقه في السفر ، كانت تبكي بدموع أحرقت وجنتيها وتقول ماجنيت من ممانعتي له لقد ذهب فلن أراه ولن يرتدي الثوب في العيد. ، أي عيد سيأتي علي ولست بجانبي فزت بها وربحت وانا من خسرت وجودك بجانبي ، أين أذهب وأنت لست معي لست بقربي ، من سأكون بعدك ، من سيهتم بي ويدللني من سأشكو إليه بعد الله مايؤلمني ، ليتك أخذت روحي معك ، ونادت ياالله أخذت كل ما تبقى لدي من كان لي سنداً كأبي ، من كان يغمرني بحنانه كأمي ، من كان عضدي كأخي ولكن اللهم لااعتراض على حكمك ونعمة الشهادة ، وغفت عيناها المبللة بالدمع وقد افترشت ملابسه لتشتم رائحته قبل أن تخفيها الأيام .
وفي يوم الوداع الأخير الذي لم يسمح لها برؤية وجهه للمرة الأخيرة لأن الغارة الغادرة أخفت ملامحه ، فحثت خطاها على السير إلى ذاك الصندوق الموجود هو بداخله فتحت زجاجة عطره المفضلة ونثرتها على ذاك الصندوق ، ووضعت عقد من الفل فوق الصندوق ، وتحدثت بصوت شاحب بسبب البكاء وكأنها تحدثه
هنيئا لك الفوز وانا كما تمنيت سأكون حتى ألقاك في القريب العاجل ، أوصل سلامي إلى أبي وأمي واخوتي وأخبرهم بأنك ذهبت إليهم وتركتني وحيدة .
ومنذ رحيله مكثت في منزلها وحيدة رافضةً الخروج منه والعيش عند اقاربه ، تمارس اعمالها اليومية التي كانت تعملها بوجوده الإفطار المبكر ودخان البخور وزخات عطره تنشرها على ملابسه وتظل تتحسر على حظها بأنها لم تملك طفلاً يكون كأباه فلم يشأ الله لها ذلك وأدركت أنها من حكمة الله ورحمته أنه لم يرزقها بذريه حتى لايعيش وحيداً كما عاشت وحيدة بسبب العدوان الذي لم يترك لها أب ولا أم ولا زوج ،و لاتزال حتى اللحظة تدعو بمن حرمها أهلها وزوجها بأن يحرمه الجنة ونعيمها…
#فريق_عشاق_الشهادة