عطوان : ماذا يعني الكشف المفاجئ عن خطة “اردوغانية” بإقامة قاعدتين تركيتين جوية وبحرية في ليبيا؟
Share
إب نيوز ١٣ يونيو
عبدالباري عطوان :
ماذا يعني الكشف المفاجئ عن خطة “اردوغانية” بإقامة قاعدتين تركيتين جوية وبحرية في ليبيا؟ وهل نزول الجزائر الى الساحة الليبية واستعداد رئيسها تبون التعاون مع مصر وتونس سيغير المعادلات على الأرض؟ وهل ستُعجّل مقابر ترهونة الجماعية خروج الجنرال حفتر من المشهد الليبي لصالح “خصمه” صالح؟
تشهد الازمة الليبية هذه الأيام سباقا محموما بين الحليفين السياسي والعسكري، حيث يحاول كل طرف تحسين مواقعه على الأرض وتحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب لتعزيز مواقفه في أي مفاوضات قادمة، ولهذا تشكل نتائج معركة سرت المستعرة حاليا بين قوات حكومة الوفاق المدعومة تركيا، وقوات الجيش الوطني بزعامة الجنرال خليفة حفتر المدعوم مصريا واماراتيا وفرنسيا كلمة الفصل الحاسمة في هذا السباق.
مدينة سرت الاستراتيجية تشكل البوابة الأكثر أهمية سواء بالنسبة لقوات حفتر المدافعة عنها، او قوات حكومة الوفاق التي تحاول السيطرة عليها، بعد نجاحها في انهاء الحصار على مدينة طرابلس العاصمة، واستعادتها مدينة ترهونة من ايدي خصومها.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي بات حاكم الغرب الليبي الفعلي، اكد بأنه لن تكون هناك أي مفاوضات سياسية، او وقف لإطلاق النار، الا بعد سيطرة قوات حلفائه على هذه المدينة، أي سرت، وهذا ما يفسر رفضه، بل وتجاهله، لإعلان القاهرة الذي يطرح مبادرة لحل شامل للازمة الليبية، فمدينة سرت هي بوابة الشرق حيث آبار النفط والغاز واحتياطاته الرئيسية، ومفتاح الجنوب حيث قاعدة الجفرة الجوية، ومخزون المياه الليبية.
***
طموحات الرئيس التركي ليست محصورة في الحصول على اكبر حصة ممكنة من النفط والغاز الليبيين فقط، وانما تمتد أيضا الى تكريس النفوذ التركي في ليبيا، سياسيا وعسكريا، وهذا ما يفسر كشف صحيفة “يني شفق” المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في انقرة، عن خطة لإقامة قاعدتين عسكريتين تركيتين، الأولى جوية في قاعدة عقبة بن نافع (الوطية) جنوب غرب العاصمة طرابلس، والثانية بحرية في مدينة مصراته.
القوات التركية المعززة بفرقاطات بحرية وعتاد عسكري ثقيل، وآلاف من المقاتلين والطائرات المسيرة باتت موجودة فعليا على الأرض، والسؤال المطروح حاليا هو عما اذا كانت دول الجوار الليبي مثل الجزائر وتونس غربا، ومصر شرقا ستقبل بسياسة الامر الواقع هذه التي فرضها الوجود التركي، والتعايش معها بالتالي، ام تتصدى لها سياسيا، وربما عسكريا في المستقبل المنظور؟
التدخل العسكري التركي في ليبيا عبر دعم حكومة الوفاق المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، يقف خلف جميع الهزائم الكبرى التي لحقت بالجنرال خليفة حفتر وجيشه الوطني في الغرب الليبي، وربما يؤدي الى خروجه من المشهد الليبي كليا، خاصة بعد الكشف عن ثماني مقابر جماعية في ترهونة تضم رفاة عشرات الأشخاص من بينهم عائلات كاملة، جرى اعدامها، بعد تعذيبها حيث توجه أصابع الاتهام لقواته اثناء سيطرتهم على المدينة، فقد اثارت “جريمة الحرب” هذه حالة من الرعب في أوساط مراقبي الأمم المتحدة من شدة بشاعتها، ودفعتهم الى المطالبة بتحقيقات مكثفة لمعرفة تفاصيلها، وتقديم المسؤولين عنها الى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي تشعر حكومته بقلق شديد من جراء تطورات الازمة الليبية، ووجود اكثر من 12 الف مقاتل إسلامي مسلح متشدد قرب حدود بلاده الغربية، اعرب عن استعداده للتعاون، ولأول مرة، مع دولتي الجوار الليبي الاخريين، أي مصر وتونس، للوصول الى حل للازمة الليبية، وكان مصيبا عندما قال في مؤتمر صحافي عقده الجمعة “ان الدم الذي يسيل في ليبيا دم ليبي، وليس دم من يحاربون بالوكالة، وان الجزائر تسعى لحقن هذه الدماء وحل الازمة سياسيا وليس عسكريا”، وأضاف “ليبيا تنزلق نحو ارض سورية، هي نفسها التي تتصارع على الأرض الليبية”، وحذر من ان “ليبيا تتجه بسرعة الى مصير الصومال”.
كان لافتا ان الرئيس الجزائري تبون استقبل اليوم السبت السيد عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق المنتخب، ولوحده، دون ان يرافقه الجنرال حفتر، الامر الذي يعكس بطريقة غير مباشرة اعترافا به كقائد، او ممثل للشرق الليبي، لما يتمتع به من دعم قبلي كبير، وشرعية سياسية اكتسبها من انتخابات حرة نزيهة للبرلمان الذي يتزعمه حظيت باعتراف اممي، والاهم من ذلك ان السيد صالح اعلن نفسه الشهر الماضي القائد الأعلى لقوات الجيش الوطني الليبي.
دخول الجزائر على خط الازمة الليبية، واستعداد رئيسها للتعاون مع مصر وتونس للوصل الى حل سياسي ينهي هذه الازمة، ربما يكون التطور الأهم، لان اتفاق الدول الثلاث يمكن ان يغير موازين القوى على الأرض سياسيا وعسكريا، لما لها من ثقل إقليمي، ونفوذ في الوسط الليبي، واحترام على الساحة الدولية والإقليمية.
***
لا يستبعد الكثير من المراقبين ان يكون خروج الجنرال خليفة حفتر من المشهد الليبي بات وشيكا، ولصالح حليفه الخصم عقيله صالح، والشيء نفسه يقال أيضا عن السيد فايز السراج، الذي ربما تخلص فعلا من حصار حفتر لطرابلس، ولكن حكمه لا يمتد لمتر واحد خارج محيط مكتبه.
السباق بين الحلين العسكري والسياسي الذي اشرنا له في بداية هذا المقال سيشتد في الأيام والاسابيع المقبلة، خاصة بعد القاء الجزائر بكل ثقلها في الساحة، وبات من المبكر الجزم لمن ستكون الغلبة في نهاية الشوط، ولكنه يظل سباقا مثيرا يستحق المتابعة.. والله اعلم.