يرحلون ويبقى الأثر

إب نيوز ١٨ يونيو

أشجان الجرموزي

قال الإمام علي كرم الله وجهه ” حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق ” تبعثرت الأوراق واختلطت الدماء بالماء والروح كادت أن تفقد الكرامة فنهض أصحاب الحق وتسلحوا بالإيمان وجابهوا الكفر والطغيان ، لم يستوحشوا طريق الحق ولم يهابوا الموت بل حملوا الموت على أكتافهم، فهم عشاق الحياة الأخرى وبائعي ترف الحياة الدنيا ؛ لأنهم تيقنوا أن ماعند الله خير وأبقى وأن جند الله هم الغالبون…..

رأى انهياراً ملحوظاً في الدولة، تسييس وتدليس ونهب للثروات والممتلكات، وإخفاءات قسرية وعبث بالأرواح ومتاجرة بالأوطان والحضارات، فسمع عن المسيرة القرآنية وقوامها القول والعمل فأدرك أين يكمن الصواب والحق وأن الكلام الذي ينطبق مع الواقع هو كلام ذلك القائد العلم ، وتلك الملازم التي حوت كل علم وجهاد لترسخ الإيمان وتنبذ الجبروت والطغيان، وتحذر من أعداء الأمة والدين الشيطان الأكبر والغدة السرطانية أمريكا وإسرائيل
فقرر الالتحاق بركب الأحرار الأبطال في سبيل الله ذوداً عن الأرض والعرض وحفاظاً على الكرامة والسيادة ونبذاً للوصاية والتبعية…

كان الشهيد المقدم / عبدالله محمد حسن مساعد ( ابو أحمد ) من أبناء محافظة عمران مسور-بني أسعد
من مواليد محافظة صنعاء عام 1984 م
متزوج ويمتلك من الأطفال أربعة
انطلق في مسيرة الإباء منذ الشرارة الأولى لقيام ثورة 2011 ، عمل بجد وثبات لإعلاء كلمة الحق فقد كان يتحلى بأخلاق عالية ويتسم بصفات الشهامة والشجاعة والعطف والرأفة، كان رجل مواقف وحاضراً لفعل الخير دائماً وفض النزاعات فكان محبوباً بين الناس، محباً للآخرين.

أخلص الشهيد ابو أحمد في جهاده أيما إخلاص فكان محافظاً على صلواته ، مطبقاً لبرنامج رجال الله اليومي وحاثاً كل من يتعرف إليه على تطبيقه والرجوع إلى الله، رحلة جهادية سار فيها مخلصاً لله متوكلاً عليه شارك في عدة جبهات وأوكلت إليه عدة أعمال صادفته مواقف ورأى معجزات الله وتأييداته تتراءى له أمام ناظريه ليزداد يقيناً وثباتاً وعزماً وإصراراً في دحر العدو….

ذات مرة في ثاني أيام عيد الفطر المبارك أوكل إليه عمل صرف مستحقات المجاهدين في جبهة نهم فانطلق متوكلاً على الله بسيارته متوجهاً صوب مهمته، لكن كان الغدر يتربص به وبسيارته فقد تم تحديد إحداثيات الطريق التي ستمر فيها سيارته فأجهزة رصد العدو لاتتوقف عن المتابعة والرصد، علم زملاؤه بأمر الرصد فحاولوا جاهدين التواصل به لتحذيره لكن لافائدة فتغطية الهاتف شبه معدومة في المكان الذي يسير فيه أبو أحمد
كان سلام الله عليه يراقب تحليق الطيران وكيف أنه يحوم ويحلق بكثافة فأدرك أن الخطر محدق به، أوقف سيارته وهب مسرعاً للترجل منها والابتعاد قليلاً عن المكان مالبث أن نزل حتى أتت غارة في نفس التبة التي ترك سيارته فيها وللطف الله وعنايته لم يصبه أي أذى، وتوجه صوب عمله بقوة وعزيمة …

ومما زاد من تمسكه بالجهاد أنه حدث أحدهم بأنه رأى معجزات الله تتجلى أمام عينيه في إحدى معارك الساحل الغربي، تأييدات ليست بمقدور المخلوق أن يصنعها إنما تلك هي قدرة الخالق عز وجل الذي خذل العدوان وكسر شوكتهم فكلما أرادوا التقدم بدباباتهم ومدرعاتهم يلتهمها الرمل بمن فيها ليظهر لكل منكر ومتذبدب ومتمسخر أن لاقوة تعلو قوة الله سبحانه وتعالى.

ولازالت الأحداث تتوالى والمواقف تبرهن مدى عناية الله بجنوده الذين سعوا لإعلاء دين الله، ففي محافظة صعدة بينما كان الشهيد وزملاؤه منهمكين في أعمالهم فأغار عليهم الطيران لينهضوا لمغادرة المكان لتعاود طائرة الحقد الضرب من جديد ولايزالون يحاولون الهرب من نيران الغدر حتى أتت الغارة الثالثة ليرتفع صوت القائد منادياً وأمراً أن ينبطحوا حتى يوهموا العدو بأنهم قد قتلوا، فعملوا بالأمر واستمر تحليق الطيران لربع ساعة إضافية ليتأكد من خلو أي حركة في ذلك المكان ومن ثم غادر
رأى الشهيد أبو أحمد ورفاقه أن التحليق قد هدأ فانطلقوا صوب الجبهة التابعة لعملهم وماإن وصلوا حتى قصف الطيران المعادي السيارة التي ترجلوا منها ليصاب القائد فقط بشظية ولم يصب أي من بقية الأفراد…

ولم تمر هذه الرحلة الجهادية للشهيد دون جراح تذكر بل إنه أصيب بشظية في كاحله عندما كان في دورة عسكرية وهم في حال التدريب أتاهم بلاغ عاجل بإخلاء مكان الدورة بالكامل في الحال لأن هناك أنباء عن استهدافه ليصل الطيران في تلك اللحظة ويرسل ثلاث غارات استشهد إثرها أحد الأفراد المتواجدين وأصيب أبو أحمد بإحدى الشظايا…..

من لم يكن مجاهداً منطلقاً فقد خسر الكثير وفاتته السعادة الحقيقية هكذا كانت هي روحية الشهيد أبو أحمد فكم تمنى لو أنه انطلق منذ حروب صعدة الأولى وحظي بمرافقة الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي، وكان دائما مع كل انتصار يحدث يقول ” الله كم بايكيف سيدي حسين بهذه الانتصارات ”
وكان دائماً يدعو بطول العمر وزيادة في الصحة والعافية للسيد عبدالملك كلما كان يلقي خطاباً يقول هذا هو قائدنا وعلمنا، سنمضي وفق أوامره وسنفديه بأرواحنا..

لكل رحلة نهاية ولابد وإن طال الترحال أن يصل إلى نهاية المطاف لكن نهاية الجهاد ليست كأي نهاية إنما هي رفعة واصطفاء وفخر وفوز وهناء وهي مرام كل حر مضى في سبيل الله طامعاً في رضوانه وكرمه فكان الجزاء شهادة يرقى بها للعلا فلاخوف عليهم معها ولا يحزنون
كان أبو أحمد عائداً من عمله هو وبعض الرفاق بعد انتهوا من تأدية ماأوكل إليهم فإذا بسيارتهم يحدث بها عطل في جنبات الطريق ليهموا بإصلاحها ويؤدون فريضتي صلاة المغرب والعشاء فاقتسموا إلى ثلاثة أقسام حتى إذا عمد الطيران إلى القصف يأخذوا حذرهم حتى لا يتم استهدافهم جميعاً
فكان الشهيد آنذاك يصلي هو وأحد رفاقه فصب العدوان حقده بغارة تصل إلى مكان أبو أحمد ورفيقه لترتقي أرواحهم النقية الطاهرة وتصعد إلى السماء متوسمة بوسام الخلود آلا وهي الشهادة في جبهة الجوف بتاريخ السابع والعشرين من شهر ذو القعدة الموافق 30/7/2019
ليعاود الطيران القصف بخمس غارات ليجرح أحد الرفاق الذين كانوا في الجهة الأخرى ويبقى البقية سالمين بفضل الله

ليصل خبر استشهاده إلى جميع أسرته وكذا والدته التي حزنت كثيراً لفراقه إلا أنها تسلحت بالإيمان وحمدت الله كثيراً على فضل الاصطفاء الذي لايعطيه الله إلا لخاصة أولياءه
ليتم تشييع جثمان الشهيد ابو أحمد سلام الله عليه في العاصمة صنعاء تشييعاً رسمياً ليوارى جثمانه الطاهر في روضة الشهداء بالجراف الشرقي……

أينما يحطون الرحال تبقى سيرتهم عطرة وتبقى مواقفهم خالدة فليست حبراً على ورق يندثر مع الأيام وليست أساطير من خيال يعمل الأجيال على تصحيح مفاهيمها إنما أولئك عظماء أحياء سيظل التاريخ على مدى الأزمنة والعصور يدرس الأجيال أن لاشي بدون ثمن فلأجل الكرامة تقدم الأرواح رخيصة ومن زهد عن الدنيا ومطامعها وسعى لنيل رضاء الله والعمل في سبيله كانت الشهادة هي العطاء الوافر والجزيل فلا أسمى ولا أرقى من أن تدفن الأجساد تحت الثرى لتحيا الأرواح حرة طليقة في ملكوت الله وفضاءه الرحب بعد حياة الدنيا المميتة
فسلام الله على كل الشهداء
وسلام الله على حماة الأوطان الأبطال
وهنيئاً لكل من وجد نفسه وبهجتها وراحتها في سبيل الله …

#فريق_عشاق_الشهادة

You might also like