مهب الانتظار
إب نيوز ١٩ يونيو
رويدا البعداني
منذُ أن وضعت الحرب أوزارها، ووطأت أقدام المدافع والبوارج أراضينا العربية، اتسعت فجوات التشرد في الوطن الواحد ، غدت أوطاننا أشبه بمنافٍ واستفحلت الصراعات بين الشعوب العريقة وخاصة الغبية .
ثم مالت أبعادًا أشد ضراوة ، استعرت الحرب يومًا بعد يوم في قعر الوطن بشراسة ونهشت الأرواح بشراهة ، فتكت بأجساد جنودنا التي عادة ماتذهب مدججة بالقوة والصمود ، وتعود منتشية بالنصر المؤزر، وتارة ماتأتي مخضبة بجروح راعفة تاه ضمادها في الوصول فلم تصمد وباغتها الموت وهي في جادة العودة .
بتنا نبني البيوت للهدم والدمار ليس إلا ، ننجب الأطفال للمقابر لا للحياة ، نزف البنات ليصبحن أرامل ، وكم كثرت الثكالى ، وكم ضاقت بنا سبل الحياة وتواربت عنا أبواب النجاة فأين الراحة من وعثاء الزمن الكالح هذا؟
وأمام فوهة الصمت وقفت أتأمل كينونة الطبيعة، أتسكع بين دهاليز الوقت وأضع الاستفاهمات المحيرة على رف الانتظار متسائلة هل سيعود ذاك الذي رحل ..؟
فتئت أعبر غاب ذكراه ، فمن حين ذهابه وأنا أرتجي من سيد الإياب عودته في القريب ، أرتقب مجيئه عند كل طلوع شمس كما الخنساء وأزد.
لازلت أكذب قصة استشهاده ، لازلت أظن أن رحيله حكاية باطلة ، وتلك المقبرة التي حوت في بواطنها ضريحه ونُقِش عليها اسمه كاذبة، ولست أدري إلى متى ستسكنني هذه الكذبة ؟
ها أنا عليلة بدونه، قد أنصبني الانتظار لسنين لاتعد ، لكنني لم أجزع بيوم عن أملي الموعود أو أفتر ، يعشش الصباح بكامل زينته وأنا بذروة حدادي ، وما أجملني وأنا رابضة على أطلاله أتنفس بقيته، ولو أن انتظاري له مُضنٍ لكنني قد أخذتها عادة وسعيدة بحالي البائس هذا (المضحك المبكي) .
ها أنا أتركك ترفل في رحلتك وأعود لأقلب هذا القميص الذي أكملته بالأمس فلقد سمعت مؤخرًا في إحدى الأساطير أن هناك ثكلى ظلت تحيك قميص لفقيدها وما إن أتمته حتى عاد ورحلا معًا إلى حيث كان يقيم ، ها أنا أكملته اليوم على عجل ، غزلته بلواعج الشوق ، متأملة لقياك ولو للمرة الأخيرة فلا تخن إيماني بالأساطير وعد لنرحل معًا.
(حُدد الموعد في اليوم الثامن من الأسبوع القادم في تمام الدقيقة السبعون عند محطة المستحيل).
#من_زوجة_شهيد
15/حزيران/2020