رسالة إلى طفل الحجارة .

 

إب نيوز ٢٣ يونيو

*رويدا البعداني

اعتدتُ دومًا أن أبعث رسائلي عبر حمامي الزاجل ، أو مع أثير الرياح ، ولابأس بقنينة عتيقة للأمانة راعية ، أرميها على ظهر يم أمين، فرسائلي كما تعلمون لاصندوق بريد لجوهتها فساعي البريد قد خانها منذُ زمن .

قررت أن أبعث هذه الرسالة مع حمامة ،
أربطها على عنقها بإحكام فلربما صادفت في جادة الطريق غراب واش وحاول سرقة ماكتبته ، لذا أخبرتها أن ماعليها إلا الطير باختلاس تام ، وإن أمكن الإتيان بالنبأ اليقين فور عودتها من هناك حتى وإن كان عقيم ، فأنا أعي جيدًا أنه لاعودة ميمونة ، ولاسلامة مضمونة، من أرض فلسطين منذُ أن أصبحت تحت وطأة الاحتلال وطمع الصهيون .

أما بعدُ :-
فهذه أول رسالة أكتبها إليك ، ولست أدري هل سيسعفها الوصال لتقرؤك مني جُل التحية والسلام ، وتخبرك أني أمام صبرك وتحديك قد أعلنت الاستسلام ، هاقد جئتك من جنوب غرب قارة آسيا ؛لدفع مهر صمودك ، وخطب إباءك ، وكم أرغب في إخائك ، وأتوق لمعرفة جنابك ، لاتخف لن أرجُ من ثغرك الوردي التبسم ، فقد علمت منذُ أول صيحة لولادتي أن هناك من قمع نشوة التبسم لديك ، كما أعلم أن ليلك متلألىء بالرصاصات ، محتفلاً بالمذابح والجراحات.

ربما أشبهك ياطفل الحجارة ، فأنا مثلك شُردت من أرضي ، طالت الحرب في وطني ، وتكالب الجمع الحقير على وأدي ، أنت مستعمرك واحد ، أما أنا فهم كثر لايحصون عدًا ، وزورًا يقولون أن لي منظمات راعية ، بهتاناً يبقبقون عن حماية الطفولة ، وكلها خزعبلات لاصحة لها ، أموت جوعًا ولاألقى منها كسرة خبز ، استقيظ على أصوات البوارج والمدافع وهي واقفة تترقب ،فعن أي حقوق هي في المنابر والمنصات تتحدث ؟

ومع ذلك سنظل نردد أنه لابأس ستنتهي هذه الحروب وتنجلي المحن،ستنطوي صفحة التشرد والتيه والضياع ، سيحتضننا الوطن كما تفعل الأم مع ولدها الرضيع ،سنجتاز الظروف كما جرت العادة ،بجنائز كثيرة ، وخسارات فادحة ولكننا سنجعلهم يدفعون الثمن أضعافا مضاعفة ،نحن عندما نُقتل يشتد عودنا ، بينما هم كلما قتلوا ازدادوا وهناً وغبناً ، وهذا هو الفرق بيننا ، لا بأس إن خرجنا من هذه الأحداث مكلومين ، يكفينا أن نكن سالمين ، سننتشي النصر رغم الدمار ، ونستسيغ الحياة من جديد وكما قال محمود درويش (( ولكننا سنحيا ؛ لأن الحياة حياة )) إذن وجب علينا أن نحيا رغمًا عنهم.

فيا من أسموك طفل الحجارة ثق أن تلك الحجرات ستبني قصراً من الشموخ لايطاله أولئك المتشردون من يبحثون عن وطن في وطنكم ، أخبريهم ياحمامتي أن حلم النصر ليس ببعيد، هانحن نقف على عتبات مدينة كثر ركامها ، لكننا نتنفس اليوم الحرية لأننا لم نرضخ لهم ، لمن حاولوا تحطيم يمننا وسرقة أحلامنا من صدورنا وابتساماتنا من شفاهنا، ياطفلي سيضج من جوفك العنفوان وترعبهم بصرختك أصرخ معنا حتما ستهزهم، فمن يمننا يفوح عطر النصر وبأيدينا سنهديكم إياه، فأبق متيقض قد نأتي في غفلة ونسحب من تحت أقدامهم البساط، ونناولكم راية النصر ، وذلك ليس ببعيد .

 

You might also like