العولمة والحرب الناعمة .

 

إب نيوز ٢٣ يونيو

تهاني الشريف

لقد ظهر مفهوم “العولمة” في أواخر القرن الماضي، فانطلقت هذه الكلمة تطوف حول كوكب العالم في سرعة خاطفة، وكأنها تُبشَّر بشيء حديث يفيد العالم، فهي بالمفهوم الحقيقي تعني أن يصبح العالم أسرة بشرية موحدة، متساوية الحقوق والدماء والواجبات، غير أن غموض مدلول الكلمة والظروف التي صاحبت انطلاقها، وتعدد الجوانب التي تتضمنها جعلت كثيرًا من عُقلاء العالم يقفون أمامها، متأملين أبعادها ومراميها، ومن ثمَّ فوائدها وأخطارها.

فقد قُصد بمفهوم العولمة هو أن يتم عولمة الأشياء والأفكار؛ أي جعلُها عالمية، أم تأسيس كل شيء على العلم ولا ثالث لهما فإنها لا تخرج عن معنى التصيير والتحويل وفق ما يوحي به مدلول هذه الكلمة.
والمتأمَّل لهذين المدلولين: (العالمية والعلمية) لا يرى في العولمة شرًا يُحذر، ولا معنى يُنكر، فالمعنيان كلاهما مرغوبان؛ فالعصر عصر التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، بل أضحى التنافس العلمي بين الأمم والشعوب محمدةً من محامد العصر، والمسافات الزمانية والمكانية قد طويت، حتى أصبح العالم كالقرية الواحدة، فما العيب في العالمية إذن؟
ومِمَّ الخوف إذا الناس قد أصبحوا يعيشون هذه المعاني في واقع حياتهم من خلال وسائل الاتصالات والمواصلات، والقنوات الفضائية، والإنترنت، والحركات التجارية والسياحية، وغيرها؟!

لَـكنَّْ بعض المفكرين في العصر الحديث لا يفهمون العولمة بهذه السطحية من خلال سرعة التواصل بين العالم، أو السِّمة العلمية للعصر، إنما يفهمونها في ضوء حركتها الجامحة، ووسائلها المستخدمة، وآثارها الواقعة والمتوقَّعة، إنهم لا يرون في العولمة إلا شعارًا؛ ظاهرة فيه الرحمة، وباطنة فيه الشر والنقمة، ليس على شعب دون شعب، أو أمة دون أمة أخرى، وإنما على جميع فقراء العالم.

إنها العولمة التي تُكملها الحرب الناعمة والتي قد تحدث عنها السيد القائد قائلًا: نحن في عصر العولمة والإنترنت والاعلام والقنوات الفضائية وعصر الغزو الفكري والحرب الناعمة، والهجمة الثقافية والتأثيرات المتنوعة والمؤثرات والعوامل السلبية فيه أكثر من أي زمن مضى.

هي العولمة تسوق الأجيال إلى الكارثة الكبرى، فهي حركة تؤدي إلى انقسام متنامٍ بين الغني والفقير، ناتجة عن وحدة امبراطورية قاضية على تنوع الحضارات وعطاءاتها ، فمشكلات الفقر والبطالة والهجرة التي تعاني منها الشعوب الفقيرة ماهي إلا بعض نتائجها الكارثية، وفي كل يوم تتفاقم هذه المشكلات، وتستجدّ مشكلات أخرى، وأرباب العولمة يسوقون الأغنياء والفقراء إلى ذلك قسرًا، ووسيلتهم في ذلك (عولمة الاقتصاد).

إن العولمة ماهي إلا لافتـة استعمارية تشن السيطرة والهيمنة والطغيان لأجل الابتزاز والقهر والظلم لكل من يخرج عن الطاعة، فأين العلمية أو العالمية من عولمة هذا الاقتصاد إلا للمسارعة في زيادة عدد الفقراء، التي يسعى من خلالها الغرب إلى أن يكون العالم الثالث سوقًا لمنتجات مصانعه وشركاته، والربح السريع بواسطة المضاربات النقدية دون إنتاج؟!
إنها بحد ذاتها عولمة استغلال وإذلال ليس للفقراء فحسب، وإنما لكل من هم أقلّ منها غنى!!

فالآن قد مدّت العولمة شباكها في شتى جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية والصحية والكثير غيرها، تستهويها في تلك الانجازات العلمية الجسيمة في عالم الالكترونات، والسيطرة على كل من في الكرة الأرضية بواسطة الأقمار الصناعية مختلفة الأغراض والتخصصات، وإلغاء المسافات الزمانية والمكانية بين سكان الأرض بفعل وسائل الاتصالات والمواصلات، وغزو بعض سكان الكواكب المجاورة، وما تمتلكه من قوة تدميرية، فإنها تتخذ من الاقتصاد مركزها المحوري وميدانها الفسيح؛ لتصل منه في الأخير إلى مرادها وأهدافها؛ لكي يتم تعميمه من مصطلحات وقيم ومفاهيم وسلوكيات بمنطق القوة، وفرض الأمر الواقع، وهو ما بدأت ملامحه تظهر في مجموعة من المعطيات مع عدد من الشعوب الضعيفة المستضعفة.

فقد جاء بطش النظام العالمي الجديد( العولمة) بالكارثة التي عمت شعوب العالم العربي والإسلامي والأخطار التي تهدّد مستقبلهم بالتحولات الرئيسية وأولها التحول الاقتصادي الذي يعتبر هو الأساس لأنه عصب الدولة ويقوم على نظام إنساني عادل، يهتم بالإنتاج، ويمنع الاحتكار، ويتلوها التحول السياسي الذي يقوم على حرية الإنسان، وعلى المساواة في الحقوق الديمقراطية بين كل الشعوب والأجناس والطوائف والديانات والأغنياء والفقراء، في ظل إعلان عالمي لحقوق الإنسان التي تحدّد فيه الحقوق والواجبات التي تعمل على الخدمة الإنسانية، والتحول التربوي ذو ملامح إنسانية سوّية يسمو بإنسانية الإنسان، ويجعل منه إنسانًا مبدعًا طموحًا إلى أفضل القيم وأرقاها، وأخر التحولات التحول الإعلامي الهادف الذي يعمل تحت رقابة اجتماعية واسعة، بعيدًا عن الاستغلال السياسي، أو التجاري، ليقدم رسالته الإعلامية: إفادةً وإمتاعًا في ضوء الطموحات الاجتماعية الخاصة والعامة دون تحريف أو تضليل إعلامي يجر للانحراف.

واليوم الأمة الإسلامية مدعوة لأن تحمل هذا العبء، وتقبل هذا التحدي، وضرورة تعزيز الوعي الإيماني والثقافي المجتمعي لأن العولمة عمل منظم لاستهداف الأمة، حيث أنهم جاهدوا أنفسهم لذلك العمل تحت عناوين حضارية جذابة ومخادعة، وهي بالحقيقة عناوين ليست صادقة ولا هي بحضارية بل في جوهرها تعبيرًا عن عدم الالتزام الأخلاقي وانتشار الفساد والمنكرات والرذائل.

فعندها قد توجه السيد القائد/عبدالملك الحوثي ناصحًا محذرًا منبهًا أمتهُ وأمة الإسلام رادفًا: نحن نواجه حربًا ثقافية وفكرية ويحاول العدو التأثير علينا بأشياء خارجة عن هويتنا.. مؤكدًا أن حالة الفراغ الثقافي ستسمح للعدو أن ينجح في الغزو الثقافي لأن الفرد سيكون بدون مناعة ثقافية للمواجهة..وإذا لم يسيطر العدو على فكرنا وثقافتنا وإرادتنا ومواقفنا ووعينا، فلن يستطيع أن يسيطر على أرضنا وسيادتنا ويصادر استقلالنا، لأننا متماسكون بوعينا وقيمنا وأخلاقنا وإيماننا.

وبفعل العولمة والحرب الناعمة سيتأثر الشباب في أخلاقهم وسلوكياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وقد سعى الأعداء ولازال يسعى للتأثير على الأمة في الأخلاق والسلوكيات والمواقف والعلاقات وأنماط الحياة، والواقع القائم للبشرية واقع مؤثر بحد ذاته، ولذلك يجب علينا أن نمتلك ونتملك الرصيد الأخلاقي والمعنوي والإيماني القوي بالله، ويجب علينا أن نتمسك بانتمائنا اليماني الإيماني وهو أعظم حصن لنا.

#اتحاد_كاتبات_اليمن.

You might also like