عبدالباري عطوان : الكورونا والقوة العسكرية الصينية الصاعدة تفسد الاحتفالات الامريكية بيوم الاستقلال..
Share
إب نيوز ٥ يوليو
عبدالباري عطوان :
الكورونا والقوة العسكرية الصينية الصاعدة تفسد الاحتفالات الامريكية بيوم الاستقلال.. هل الحوار الأمريكي الصيني الحالي بالمناورات العسكرية وحاملات الطائرات سيتطور الى مواجهة؟ ولماذا يتحول حلفاء أمريكا الأربعة في الشرق الأوسط الى عبء استراتيجي ثقيل؟
جاءت احتفالات الولايات المتحدة الامريكية بيوم الاستقلال (4 تموز) “كئيبة” و”باهتة” هذا العام في ظل اتساع دائرة انتشار فيروس الكورونا واقتراب عدد الوفيات من 150 الفا والاصابات من ثلاثة ملايين، علاوة على حالة الانقسام التي تجتاح البلاد نظرا لتفاقم العنصرية، واتساع الشرخ بين البيض والسود.
الرئيس دونالد ترامب لم ينسى في خطابة الذي القاه بهذه المناسبة يوم امس تجديد هجومه على الصين، واتهامها بنشر فيروس الكورونا، وانتهاك حقوق الانسان في هونغ كونغ وإقليم الايغور الإسلامي، والتهديد بفرض عقوبات جديدة على بعض المسؤولين فيها الذين يقفون خلف فرض قانون الامن القومي الصيني في هونغ كونغ، وقد يكون على رأسهم الزعيم شي جين بينغ.
هذه التهديدات الامريكية للصين تتزامن مع تصاعد حدة التوتر بين البلدين، واجرائهما مناورات عسكرية بحرية وجوية في بحر الصين الجنوبي الغني بالثروات المعدنية والنفطية، وتؤكد الصين ان 99 بالمئة من مياهه تعتبر جزءا من مياهها الإقليمية، وكل ادعاءات دول مثل ماليزيا وفيتنام وبروناي والفلبين بحقوق فيه باطلة بما في ذلك جزيرة “باراسايل” المتنازع عليها.
الإدارة الامريكية اعتبرت المناورات الصينية هذه استفزازا لها، ولحلفائها في شرق آسيا، وارسلت ثلاث حاملات في خطوة فسرتها القيادة الصينية بأنها استعراض للقوة يعكس نوايا عدوانية.
الحقيقة التي يرفض الرئيس ترامب الاعتراف بها ان بلاده تعيش حاليا حالة من الهبوط بينما الصين في حالة صعود اقتصادي وسياسي وعسكري وتملك شبكة من الحلفاء الأقوياء على رأسهم روسيا والباكستان وكوريا الشمالية الدول التي تملك قدرات نووية بينما يغرق حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإسرائيل في الحروب والأزمات الداخلية والاقتصادية مما يجعلها تشكل عبئا على الولايات المتحدة.
الرئيس شي جين بينغ قائد النهضة الصينية الحديثة يتجاهل كل هذه التهجمات الامريكية، ولا يأبه بصراخ ترامب وعويله، ويمضي قدما في استراتيجيته لوضع الصين كقوة عظمى أولى على الخريطة الاقتصادية والعسكرية العالمية في اطار جدول زمني لا يزيد عن عشر سنوات مركزا على إيجاد نظام مالي بديل عنوانه التخلي عن الدولار لصالح اليوان الذهبي والعملة الالكترونية والذكاء الاصطناعي.
المسؤولون الامريكيون وحلفاؤهم العرب يجادلون بأن أحلام الصين بالعظمة لا يمكن ان تتحقق في ظل التفوق العسكري الأمريكي، حيث حاملات الطائرات العملاقة والطائرات المتطورة، ولكن نظرائهم الصينيين يسخرون من هذه النظريات التي تعكس تفكيرا قديما تجاوزه الزمن، فالتفوق الصيني في الحرب “السيبرانية” وبراءات الاختراع، والترسانة الصاروخية الباليستية، والأسلحة الحديثة التي لم يتم الكشف عنها، هذا التفوق الصيني جعل الولايات المتحدة في حالة من الارتباك خاصة بعد اجتياز القيادة الصينية اختبار الكورونا بنجاح اذهل العالم.
أمريكا في عيد استقلالها تجد نفسها في وضع القوة العالمية العظمى “الهرمة”، التي تنخر جسدها الامراض الاقتصادية والعنصرية والانقسامات الداخلية، ورصيد هائل من الخلافات مع حلفائها التقليديين، وفي أوروبا خاصة، واحدث الأدلة تآكل حلف الناتو وفقدانه معظم انيابه ومخالبه بسبب تفككه، ولعل الانقسام الحالي بين أعضائه حول كيفية التعاطي مع الازمة الليبية هو التجسيد الادق لما نقول.
احتمالات تسخين الحرب الباردة الصينية الامريكية المتأججة حاليا كبيرة، والصدام غير مستبعد رغم تأكيد الطرفين بأنهما لا يريدانه، ولكن التدخلات العسكرية الامريكية، وتحشيد حاملات الطائرات وارسال أسلحة حديثة لتايوان، واستخدام سلاح العقوبات بكثافة ضد الصين، كلها مؤشرات على ان نوايا إدارة الرئيس ترامب “المتهورة” ليست سلمية اطلاقا.. والله اعلم.