ملامح توسعية للنفوذ الانجلوإمريكي بدول حوض البحر الأحمر
فهمي اليوسفي
تحل على اليمن الذكرى المئوية لمجزرة تنومة التي تزامنت في ذلك الحين مع النفوذ البريطاني على مستوى المنطقة بشكل عام بعد أن شارك في هندستها وتنفيذها آل سعود والوهابيون والبريطانيون لأهداف عدة منها استعمارية بعد أن تعمدت القوى الإمبريالية الغربية والعربية طمس هذه المجزرة من سجلات التاريخ . لأنها تكشف الحقائق الإجرامية لتلك القوى المنفذة للجريمة .
اليوم حلت على اليمن ذكرى هذه المجزرة وتزامنت مع عودة القوى المنفذة والحاضرة في مسرح الجريمة في الماضي لتعاود اليوم سعيها لاستعادة نفوذ الماضي في الحاضر لكن بآليات وديكورات متعددة على رأسها دول الرباعية . (الانجلوإمريكي . والسعيوإمارتي) ومن يشاهد مجريات المعركة العدوانية التي تتعرض لها بلدنا سيجد بصمات تلك القوى حاضرة اليوم في هذا العدوان الذي يتعرض له اليمن منذ ٥ سنوات وحتى اليوم . ومن خلال ذلك نوضح الآتي:
كما كان هناك دور لنفوذ الناتو بالماضي في المنطقة، ها هو اليوم يعاود محاولته راهنا لبسط نفوذه في المنطقة ومنها اليمن كما هو ملموس بالدور الانجلوإمريكي الراهن، فكما كان للاستعمار القديم دور في تقسيم المنطقة على ضوء اتفاقية سايكس بيكو. ها هو اليوم يحاول تكرار نفس البروفة من جديد على قاعدة تقسيم المقسم المدرجة ضمن خارطة شرق أوسط جديد.
كما كان للاستعمار القديم دور في تأسيس تيارات سياسية متوحشة في الماضي منها الوهابية وكذا تأسيس أنظمة متصهينة في المنطقة لازالت محنطة حتى اليوم منها نظاما السعودية والإمارات وغيرهما وظل نفوذ الناتو قائما من خلال هذه الأنظمة الاغتصابية وعبر الأجندات والمنظمات ذات الطابع التغريبي منها تيارات وهابية التفجير والتكفير المتوحش والتي بلا شك تدار بالريمونت كنترول من مطابخ لندن وواشنطن وعبر وكلائها الإقليميين في المنطقة فاستمر الناتو بدعم وتنمية مستودعات العملاء بمختلف الأحجام والأوزان وتنمية مشاريع العمالة لأبناء وأحفاد أولئك العملاء في الماضي مع توسع مشاريع الاستقطاب الاستخباراتي وغيرها .
انكمش دور الاستعمار القديم خلال بروز الحرب الباردة . ورحل نفوذه في العديد من دول المعمورة العربية لكن لم ترحل مشاريعه ومطامعه الاستعمارية التوسعية وأجنداته المنفذة التي ظلت هي من تنفذ سياسة الدول الاستعمارية . وهذا ما جعلني اتذكر قصيدة الغزو من الداخل للشاعر الراحل عبدالله البردوني واحببت الاستدلال بها وإدرجها ضمن هذه الورقة باعتبارها تفضح دور نفوذ بريطانيا حتى بعد رحيلها من المنطقة ولعبتها الحلزونية في الانقلاب على السلال ونقل عملائها من الجنوب إلى الشمال حيث قال البردوني :
فظيع جهـل مـا يجـري وأفظـع منـه أن تـدري *** وهل تدريـن يـا صنعـاء مـن المستعمـر السـري
غــزاة لا أشـاهـدهـم وسيف الغزو في صـدري *** فقـد يأتـون تبغـا فــي سجائـر لونهـا يـغـري
وفـي صدقـات وحـشـي يؤنسن وجهـه الصخـري *** وفي أهـداب أنثـى فـي مناديـل الهـوى القهـري
وفـي ســروال أسـتـاذ وتحـت عمامـة المقـري ***
يمانيـون فـي المنـفـى ومنفيـون فـي اليـمـن *** جنوبيون في ( صنعـاء )شماليـون فـي ( عـدن )
*** ومـن مستعـمـر غــاز إلـى مستعمـر وطـنـي
لقـد عـادت مـن الآتـي إلـى تاريخهـا الوثـنـي *** فظيع جهـل مـا يجـري وأفظع منـه أن تـدري.
ظل التصدع قائما في الدول الاستعمارية بالمنطقة خلال الخمسينيات والستينيات . وبرزت قوى ثورية تحررية فرحل المستعمر الغربي . لكنه استطاع الحفاظ على كم هائل من عملائه وتأسيس مشاريع كارثية بالنسبة لدول المنطقة على رأسها تأسيس كيان اغتصابي في جسد الأمة العربية وهي إسرائيل بعد ان بدأت بتلك الفترة تستخدم سياسة التهجير والتوطين. فاستمر دورها في دعم المشاريع التوسعية لإسرائيل وبنفس الوقت لعبت دورا محوريا وخطيرا بذلك الحين في تمكين إسرائيل من احتلال الجولان السوري في العام ٦٧م واغتصاب جزيرتي تيران وسنافير المصريتين لصالح إسرائيل عام ٦٧م ولعبتها الخفية باليمن بنفس العام من خلال مساعدة اللوبي المرتبط بلندن كما أسلفت بهندسة الانقلاب على الرئيس السلال مقابل احتضان عملائها من الجنوب في الشمال إلى حين وضع حلول لهم . ولم تكتف بذلك بل ساهمت في هندسة مشروع حدود ٦٧م المتعلقة بالقضية الفلسطينية .ثم أعدت جدوى لتأسيس قاعدة عسكرية في السعودية بمنطقة خميس مشيط والذي على ضوئه جاء الأمريكان لينفذوا عملية بناء تلك القاعدة والهدف منها حماية الأراضي المغتصبة اليمنية ( نجران . جيزان. عسير. شرورة . الوديعة)، مع أنها غادرت المنطقة لعدة أسباب منها استمرارية التصدع المالي لها وبروز قوى دولية جديدة شكلت توازناً على المستوى الدولي ممثلا في الاتحاد السوفيتي وأمريكا مما جعلها تسارع في الانسحاب من بلدنا عام ٦٧م بثلاثين نوفمبر .
بدأت بريطانيا توزع نفوذها في المنطقة على الجانب الأمريكي وتسلمت واشنطن آليات النفوذ بالسعودية كبديل عن بريطانيا وفرنسا وايطاليا فأصبحت السعودية بعد رحيل الاستعمار وكيلا حصريا لواشنطن .
بدأت لندن تستعيد عافيتها بعد رحيلها من اليمن بسنوات ثم اتجهت نحو تأسيس مستودع يكون الحاضن لعملائها كوكيل حصري لها في المنطقة وهي الإمارات عام ٧١م ونقل إدارة مصالحها إلى نفس المربع حيث أسست الإمارات بعد أن اغتصبتها واستقطعتها من جسد السلطنة العمانية . وأصبح آل نهيان وكلاء بشكل حصري لبريطانيا في المنطقة فتحولت إلى دولة حاضنة لكل عملاء بريطانيا في المنطقة وحتى اليوم، حيث، انتقل أبرز عملائها إلى الإمارات بمن فيهم جماعة شاه إيران وعصابة عفاش من اليمن مع بقية قراصنتها من الألوان الأخرى . وكذلك من باكستان والعراق وكثير من الأقطار العربية . فتحولت الإمارات إلى دولة مستقبلة لغسيل الأموال . وهي اليوم تمارس دور الوكيل لبريطانيا كما هي السعودية تعد الوكيل لأمريكا . فتجلى الدور التنافسي لواشنطن ولندن عبر الرياض وابوظبي . في كل بلد شمله الربيع العربي .
اليوم أصبح النفوذ الانجلوإمريكي في المنطقة من خلال جزيرتي تيران وصنافير ومشروع سد النهضة والصومال . أي المطامع التي تعثرت للغرب في المنطقة خلال الحرب الباردة اليوم عادت من جديد وتوزعت أدوار النفوذ الانجلوإمريكي في هذه البلدان . بعد أن تمكنت من استكمال استهداف الأنظمة المضادة للإمبريالية في الشرق الأوسط وترتب عليها تمزيق اثيوبيا لدولتين وكذا السودان وزعزعت استقرار الصومال واليمن . والاستمرار باستهداف سوريا والعراق واغتصاب ليبيا وتحويل السودان إلى بلدين مشتتين. وهنا في بلدنا توحي كافة المعطيات بتوزيع النفوذ بين أمريكا وبريطانيا وبإشراف وكلائهم اقليميا السعودية والإمارات . وهذا النفوذ جزء منه عسكري والآخر اقتصادي ويصب نحو الهدف المشترك للناتو وهو تمزيق اليمن .
إذاً الدور المحوري للأمريكان يرتكز في المحافظات الشرقية منها مارب. والأجندات المؤامركة من الداخل هي ممن هم قابعون في الرياض .
أما الدور البريطاني، فيتضح مؤشراته في الإمارات من خلال المشهد الذي يتولى تنفيذه المجلس الانتقالي وطارق عفاش بالساحل الغربي وغيرهم ممن يسبحون لنهيان .
هنا يتضح لمن يطلع على المعطيات بعين العقل وسيجد أن الدور الاستعماري عاد من جديد للمنطقة منها اليمن . ويتجلى أمامه تصويب أهدافه وأدواته . وما قد يفضي اليه من مخاطر على مستقبل اليمن اذا لم يتم مواجهة هذه المشاريع التوسعية للغرب بقيادة انجلوإمريكي.
من خلال المشهد الملموس للعديد من دول المنطقة ( ليبيا . مصر . السودان . اثيوبيا .الصومال . العراق . اليمن . سوريا. إيران ) سنجد أن الصهيونية العالمية وزعت برنامج نفوذها على مستوى هذا المربع بين دول الرباعية، بالتالي نقول هنا كما كان للاستعمار القديم مصفوفة أهداف بعضها نفذت في الماضي وأخرى خلال الحرب الباردة وما بعدها وصولا للحاضر هو اليوم يستكمل تحقيق تلك الأهداف منها الآتي:
– وجود طموحات متوحشة للغرب في السيطرة والاستحواذ على ثروات المنطقة على اعتبار أن الشرق الأوسط يمتلك ثروات متعددة حيث نسبة الاحتياطي النفطي بهذا المربع يصل إلى ٦٨% من الاحتياط العالمي ومن يمتلك مصادر الطاقة يمتلك المنافسة القوية في المستقبل .
– السيطرة على المضائق المائية في هذا المربع ( شرق أوسط) لان ذلك يضمن للناتو تعطيل مشروع البركس .
– نقل مشاريع التوسعة لإسرائيل في المنطقة ما بين الفرات والنيل إلى حيز التنفيذ.
• ممارسة العزل الشامل لأي دور متطلع من روسيا والصين ومحور المقاومة في هذه المنطقة بحيث تكون حصريا على الناتو.
•تقسيم المنطقة العربية وفقا لمشروع شرق أوسط جديد.
على هذا الأساس نظر الغرب إلى أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب رفع درجة الفوضى بكثير من دول المنطقة واستهداف محور المقاومة ودعم الأجندات العميلة والمطبعة مع إسرائيل. .
من هذا المنطلق نوصي بالتالي:
– رفع درجة الوعي الجمعي والاستمرار في مواجهة العدوان الذي تقوده السعودية على كافة الأصعدة لأن ذلك هو بوابة الولوج لإيقاف مطامع الغرب في المنطقة بشكلا عام واليمن تحديدا .
– مكافحة المشاريع الاقتصادية التي تخدم الغرب .
– مكافحة الأجندات العميلة والمتوحشة المطبعة مع إسرائيل والغرب .
– تأميم أي مصالح للناتو وفضح مشاريعه الاغتصابية في دول المنطقة.
– إعادة الاعتبار لحلقات التاريخ المفقودة .
-الاستمرار في مواجهة العدوان .
ختاما.. اشكر كل من ساهم بإقامة هذه الندوة لأنها جزء من مواجهة العدوان وجزء من التنوير . . . ومن أجل ذلك سنطلق الصرخة الفاضحة للناتو وإسرائيل . الله اكبر
الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام .
*نائب وزير الإعلام