صرخة إلى قيادة المسيرة القرآنية .
أحمد يحيى الديلمي
كما نعرف أن نظام الإمام يحيى حميد الدين “رحمه الله ” وما بعده كان معتمداً في موارد الدولة بشكل كلي على الزكاة ، وفي وقت لاحق تم إسنادها ببذور وعائدات أموال الدولة التي اتسعت في زمنه بسبب استصلاح أراضٍ جديدة كانت بوراً ، أو بالتعويضات التي كان يأخذها مقابل استغراق الزكاة ممن يتولى أمرها ، هذه الخطوات جعلت أموال الدولة تتسع بشكل كبير ، لذلك كان الإمام حريصاً كلياً على الزكاة وكان يُنمي بها أموال الدولة واعتمد آلية تترجم ذلك الحرص ودلت على عدم التفريط بأي شيء من الزكاة بما في ذلك العِلف وهي مخلفات الحبوب بأنواعها ، هذا الواقع بدأ يتأثر بعد الثورة مباشرة إلا أنه ازداد في مراحل ما بعد المصالحة الوطنية عندما دخل أمراء الحرب وانتهجوا طريقة المستفيد بانتهاك الزكاة والبسط على أموال الدولة التي استطاعوا الوصول إليها ، وامتد العبث إلى السيارات وإلى كل وسائل المواصلات ، وهو ما اضطر الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي “رحمة الله عليه” إلى اتخاذ إجراءات حاسمة تمثلت في :-
1) إصدار قرار منع التمدد العمراني في الأراضي البيضاء الصالحة للزراعة.
2) اعتبار السيارة للوظيفة ومنع استخدامها بعد انتهاء الدوام الرسمي واعتبارها عهدة على المسؤول في أي موقع يتحمل مسؤولية أي تلف فيها وشمل القرار القادة العسكريين وكل مركبات الجيش والأمن.
3) ربط أي تصرف بأموال الدولة والأوقاف برئاسة الجمهورية ومنع أي تصرف من قبل الجهات الدنيا ، طبعاً كانت في الماضي قنوات الصرف عديدة من قبل البلدية ، المالية ، أراضي وعقارات الدولة ، وكل وزارة أحياناً تتصرف بما تحت يدها ، وجاءت هذه القرارات لتحكم السيطرة على الموارد الأساسية للدولة وإن كانت قد اتسعت الموارد بعد ذلك إلا أن الزكاة وعائدات أموال الدولة ظلت تحتل موقعاً متميزاً ، إذ يكفي الإشارة إلى أنها احتلت نسبة ما يساوي 55 % في أول ميزانية وضعت من قبل حكومة القاضي عبدالله الحجري “رحمه الله” بينما كان الرئيس الحمدي قد اعتبر الزكاة مدخل لتشجيع الحركة التعاونية حيث منحها ربع عائدات الزكاة ، لكن كل هذه الإجراءات سرعان ما تبخرت وذهبت أدراج الرياح بعد استشهاد الرئيس الحمدي حيث جاء السماسرة وأصحاب النزوات الخاصة الذين عبثوا بكل شيء، بالمال العام ، بالأراضي ، بالممتلكات ، بالسيارات ، ولم يكتفوا بأموال الدولة بل أمتدت إيديهم إلى أراضي الضعفاء والمساكين ، لم يتركوا أي شيء إلا وعبثوا به ، على سبيل المثال تحولت السيارة من وسيلة لخدمة الوظيفة إلى أداة للمباهاة وشراء الضمائر وكانت توزع بالمئات بدون أي مقابل فقط لضمان سكوت هذا الشخص أو ذاك ، وهو ما جعل الأمور تتفاقم وتصل إلى الحال الذي وصلنا إليه في الضائقة المالية ودورها السلبي في خنق الاقتصاد والتأثير على معيشة المواطن ، إنها فعلاً محطة غاية في السوء.
واليوم ونحن نعيش في ظل هذا العدوان الهمجي السافر وبعد أن برزت تحولات جديدة بفضل ثورة التغيير في 21سبتمبر 2014م ، إلا أنه من العبث أن يظل الحال كما هو عليه ، وأن يظل الحق العام مهدراً تماماً ، ونرى المنفذين يمرحون ويسرحون بالذات من تخرجوا من مدرسة المدعو علي محسن الأحمر ، فهم اليوم يتقمصون ثوب الثورة ويدّعون أنهم من جنود المسيرة لا لكي يحققوا غاية إيجابية ، بل ليستمروا في نفس الأسلوب الممقوت من النهب والسلب والاستيلاء غير المبرر والبسط على أراضي الدولة والمساكين الذين لا ظهر لهم يسدنهم.
وبالتالي فإننا نوجه دعوة صادقة إلى قيادة المسيرة وإلى المجلس السياسي ، نتمنى أن تتنبهوا إلى مثل هذه الأعمال فإنها والله القاصمة التي تؤخر النصر خاصة أن القضاء في بلادنا فاسداً والأمن لا يزال أفراده متمسكين بنفس السلوك العبثي الذي يقوم على كاهل المواطن ونهبه وبالتالي لا يجد المواطن لمن يلجأ ، هذه الأعمال تجعل التضحيات تتفاقم كونها ترتبط بحقوق وأملاك وأرحام ومساكين وأرامل ، وأحياناً شهداء ضحوا بأنفسهم في معارك الكرامة والصمود ، فمن سيكون لهؤلاء إذا لم تقف بجانبهم قيادة المسيرة وقيادة الدولة ، هم الآن يصرخون الغوث الغوث فلا يجدون ناصراً ولا مجيباً ولسان حالهم يقول :
مسكين من لا شيخ له يسنده
ولا معه مشرف يعزه
يموت بالحسرة تقطع يده
وإلا يطلب باب جامع
بينما من يمتلك السلاح والنفوذ ويدعي أنه من جنود المسيرة ينطلق للبسط على أراضي الغير بلا عقل ولا بصيرة وبصلافة مذهلة دون حسيب أو رقيب ولا خوف من الله سبحانه وتعالى، الأمل كل الأمل في قيادة المسيرة القرآنية ، إذ نخشى أن شكاوى وصرخات المواطنين المظلومين تظل طريقها ، وهو أمر غير سوي في ظل هذه المسيرة المباركة ، وهذا ما دفعني أن أوجه الصرخة وأتمنى أن تجد صداى واسعاً وأن يتفاعل معها الجميع ، فلا يُعقل أن تواجه التضحيات العظيمة للشباب الصادق المؤمن في جبهات العزة والكرامة بأعمال طائشة وغير مسؤولة.
أكرر الأمنية وأرجو أن يكون التفاعل من منطلق الخشية والخوف من الله سبحانه وتعالى، وهذا ما نأمله من قيادة المسيرة.. اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد.