رواية ” فجرُ الرحيل “1-2
إب نيوز ١٩ يوليو
الجزء “الأول ”
فاطمة حسين
عندما غابت الشمس وغطى الظلام الحالك كل الأرض بدأ أزيز الرصاص وأصوات المدافع في الارتفاع معلنةً بذلك عن زحفٍ قادم أعد له الأعداء ،
في الجهة المقابلة كان المجاهدون يستعدون للقاء العدو بإيمانٍ واستبسال وألسنتهم لم تتوقف البتة عن ذكر الله ، فقد كان زادهم وسلاحهم الأول هو التسبيح والاستغفار ،
في الجهة اليمنى كان علي وصديقه أحمد في جهوزيةٍ تامةٍ لصد أرتال العدو ،
علي يحدث صديقه أحمد:
– يبدو أنّ العدو قد حشد كل مابوسعه اليوم محاولاً الزحف والدخول للمنطقة
أجابه أحمد وهو ممسكٌ ببندقيته :
– ككل مرة يحشدون عدتهم وعتادهم ، ولكن يحبط الله زحفهم ويعودون خائبين
– نعم ، وهذه المرة ستكون كسابقاتها بإذن الله
– بإذن الله ، هيا بنا توكلنا على الله
((ومارميت إذ رميت ولكنّ الله رمى )) كانت هذه الآية مصاحبةً للمجاهدين عند إطلاق كل قذيفة يصدون بها زحف العدو ، وهكذا استمر الزحف إلى ماقبل الفجر حتى ارتفع التكبير والحمد معلناً بذلك نصراً جديداً بعد أن نكّل المجاهدون بهم شرّ تنكيل ، ليعود العدو أدراجه خائباً منهزما ،
في ذلك الصباح حينما أسدلت الشمس خيوطها الذهبية ، وبدأ النور يعانق أرجاء الكون ، كانت زينب تجهز حاجياتها في الحقيبة استعداداً للذهاب إلى الكلية ، ما إن كملت ذلك ودّعت والديها وركبت الحافلة المتجهة لكلية الإعلام ،، عند دخولها من باب الكلية رأت صديقتها فاطمة :
– صباح الخير فاطمة ، كيف حالكِ ؟
– أهلاً بكِ زينب صباح الخير ، وأنتِ كيف حالكِ ؟
– الحمدلله ، لا زال وقت مبكرا أليس كذلك ؟
– نعم تعالي لنجلس ونتحدث قليلا لحين بدأ المحاضرة
جلست الصديقتان تحت إحدى أشجار الكافور وبدأتا بالتحدث ،
فاطمة بصوتٍ مسرور :
-أرأيتِ انتصارات الأمس ؟
– نعم انتصاراتٌ عظيمة هذه الأيام ، الحمدلله
– لقد أخبرني أخي علي بأنهم قاموا بصد عدة زحوفاتٍ بالأمس ، حيثُ حاول العدو بكل إمكانياته التقدم ولكنّ آماله كلها بآت بالفشل
– كل ذلك بفضل الله وبفضل تضحياتهم ، ليتني أستطيع القتال معهم
– بإمكانكِ أن تجاهدي من مكانكِ يازينب ، كما أنّكِ تقومين بأعمالٍ عظيمة ، ترفدين الجبهات بكل ماتستطيعي ، وتساعدين أسر الشهداء والجرحى والأسرى ، كذلك تجاهدين بقلمكِ وكلماتكِ ضد العدو
-هذا أقل القليل تجاه مايقدمه المجاهدون ، ونتمنى أن نستطيع فعل أكثر من ذلك
ما إن أكملت زينب جملتها الأخيرة حتى رن الجرس معلناً عن بدأ اليوم الدراسي ، لتتوجه الفتاتان إلى قاعة المحاضرة ،،
حينما توقفت الساعة عند الثانية عشر ظهراً تمّ إعلان انتهاء اليوم الدراسي مبكراً بسبب تحليق طائرات العدو وقصفه العشوائي ،
خرجت الصديقتان من القاعة معاً ، وأصوات الطائرات مازالت مصاحبةً خروجهم ،
فاطمة وهي تنظر إلى سرب الطائرات في السماء:
– يالله ، يبدو أنّهم انزعجوا من انتصارات الأمس
– نعم ،أنّهم جبناء ، ففي كل مرةٍ وعند كل انتصار يأتون للانتقام من المواطنين الأبرياء
ازداد صوت الطائرات ارتفاعاً ، وبدأت بالقصف على المنازل المجاورة للكلية ، لم يستطع أحدٌ المغادرة بسبب الجنون والهستيريا التي أصابت العدو بعد إعلان الانتصار
– زينب تعالي هيا لن….
انقطع صوت فاطمة عندما دوّى صوت انفجارٍ مجلجل …..
الجزء ” الثاني ”
أضيئت الدنيا بشعاع النيران ، وعبقت الأجواء بالدخان ، وروائح الحريق ، ولم تكد آثار الانفجار الأول تنقضي حتى دوى انفجارٌ آخر ..
بعدها بدقائق هدأت الأجواء من أصوات الطائرات ، ولم يعد يُسمع سوى أصوات الصراخ والاستنجاد
أفاقت فاطمة من إغمائتها لتجد زينب بالقرب منها في حالةٍ من الوعي واللاوعي ،
-زينب زينب هل حصل لك شيء ؟
زينب وهي تنهض بعد أن ملأ الغبار والبارود ثيابها
– آه ما الذي حدث ؟
فاطمة وهي تنظر إلى ساحة الكلية والطالبات يصرخن ويحاولن الخروج :
– يبدو أنّ الغارة كانت في المنزل المجاور للكلية
زينب بصوتٍ مذعور:
– يا إلهي ، جريمةٌ جديدة ؟ أنّني أسمع صوت صراخ الأطفال وسيارات الإسعاف
فاطمة بصوتٍ يملؤه العبرة:
– حسبنا الله ونعم الوكيل ، هيا انهضي قبل أن تعاود الطائرات القصف
خرجت الفتاتان من باب الكلية ، ورأتا ما الذي حدث ؟!
منزلٌ مدمر والدخان قد غطى المكان ، جثثٌ متفحمة وأشلاءٌ تناثرت على طول الطريق ، صوت طفلٍ يصرخ من تحت الأنقاض ، ومسعفون يحاولون انتشاله من كومة الدمار ، فلم يبقى ناجٍ في هذا المنزل سواه
زينب بصوتٍ أجش بعد أن رأت الطفل يصرخ ويستنجد من تحت الأنقاض:
-يالله ، انظري يا فاطمة يبدو أنّه الناجي الوحيد من الأسرة ؟
فاطمة بصوتٍ حزين:
– نعم ، يبدو ذلك ، حسبنا الله ونعم الوكيل في كل مرةٍ يزدادون بغياً في عدوانهم ،
صرخ بعض رجال الشرطة في الجمع الذي كان يشاهد المنزل المدمر :
– هيا فليذهب الجميع من هنا ، ربما تعاود الطائرات القصف
فاطمة وهي تنظر إلى السماء بعد أن سمعت صوت الطائرة من بعيد :
– هيا بنا يازينب فلنسرع قبل أن يُعاودوا القصف ، فمعروفٌ
عن هؤلاء الظلمة بإنهم يعودون لقصف المسعفين
-هيا بنا ، سأعود إلى المنزل واكتب عن هذه المجزرة البشعة
غابت الشمس عصر ذلك اليوم لتخفي نورها خلف عباءتها ، سامحةً لنور القمر بالظهور ، ولكنّ ذلك المشهد لم يغب عن ناظرّي زينب ، وظّلت طوال الليل تكتب حول الجريمة وتدعي الله أن ينتقم من الظالمين ،
عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل نهضت زينب من سريرها مذعورة نتيجة كابوسٍ يتردد عليها منذ أيام،
– اعوذ بالله ، ليست هذه المرة الأولى التي أرى فيها هذا الكابوس ، لا أعلم ماذا تخبئه الأيام لي ، غوثك يالله
نهضت زينب من على سريرها ذاهبةًً إلى الحمام كي تتوضئ وتصلي في الثلثُ الأخير من الليل ، فقد اعتادت على أن تنهض في هذه الساعة تصلي وتدعو الله وتستغفر في السحر حتى أذان الفجر ومن ثمّ تقرأ وردها اليومي من القرآن وتسبح الله إلى حين شروق الشمس ،،
هكذا في كل يوم لاتترك عادتها هذه أبداً حتى وإن لم تنم إلا قليلاً من الليل..
بعد أن انتهى صد ذلك الهجوم هدأت الدنيا إلا من بعض زخّات الرصاص ،،
علي يتكلم بصوتٍ ممزوج بفرحة النصر :
– الحمدلله لقد تمّ صد ذلك الهجوم بقدرة الله
كان أحمد جالساً بجانبه بعد أن أتموا صد الهجوم :
– نعم الحمدلله كل ذلك بفضل الله ، رغم أنّهم حاولوا عدة مراتٍ مباغتتنا ،
صمت أحمد قليلاً ثُم استرسل في حديثه :
أتعلم ياعلي أنّي لأموت عطشاً وضمأً لأن أرتوي بوسام الشهادة
– ماذا تقول يا أحمد ؟
لازلنا نريد الاحتفال بالنصر الكبير بإذن الله
أحمد وعيناه تلمع :
– روحي تتوق للشهادة ياعلي أنّها أمنيتي وغايتي الأولى
قال علي مازحاً :
– ماذا دهاك يارجل هل تريد أن تُرمل أختي ؟ ،
ولم يمضي على زواجكما سوى ثلاثة أشهر ؟!
أحمد بصدق:
– إنّ لها مكانةٌ عاليةٌ في القلب ،، ولكنّ نداء الله يدعوني إليه
علي بعد أن رأى الصدق يلمع في عينّي أحمد :
– كفّ عن هذا يا أحمد ،، دعنا نفرح بهذا الانتصار
وفجأة .. بينما هما يتحدثان
يتبع ..