دلائل الحج والأضحى .

 

إب نيوز ٢٧ يوليو

بقلم  /نبيل المرتضى ..

أمتنا العربية والإسلامية تعيش الاستهداف من قِبل الأعداء في كل المجالات السياسية والفكرية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية والإعلامية وغيرها, وشعبنا اليمني على وجه الخصوص يواجه العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الاماراتي،وأدواتهم في المنطقة والمنافقين وعلى مدى ستة أعوام يوجه عدوان كوني يمارس بحقه أبشع الجرائم وأستهداف كل شيء دون مراعات أي حرمة ولا أي ضوابط دينية ولاأنسانية ولاحتى القوانين الدولية .
وما أحوجنا اليوم إلى الاستفادة من شعائر الله ومنها فريضة الحج، ففيهاالكثير من الدروس التربوية والأعمال والبرامج التي تسهم في تعزيز وحدة كلمة الامة وتأهيلها لمواجهة أعدائها وتزكية النفوس، وتطهر القلوب، وتقويم السلوك، فعندما نتوجه بقلوبنا ونفوسنا نحو الله جل شأنه حتى تناله التقوى منا والتسليم له فنزداد وعياً وبصيرة .
للأسف لم يعد الكثير من أبناء أمتنا يفهمون ولا يعلمون ماذا تعني لنا هذه الأيام العشر التي هي موسم الحج، تلك الفريضة التي هي من أهم فرائض الإسلام، ولها الكثير من الدلالات والدروس والأبعاد التي فقدت أهميتها، الغاية من تشريعها، والغاية من فرضها؛ فكل شيء في الإسلام فُقِد عند المسلمين أبعاده، ودوافعه، ودلالاته.
وبقي للناس من الدين شكليات يؤدونها ولا يعلمون كيف يكون الدافع ولا الهدف ولا الغاية منها؟
لذلك كل هذه الأمور، مثل: الصلاة والصيام والحج والأضاحي والتكبير فقدت أثرها في النفوس، بينما لو بقيت لدينا نحن المسلمين على ماهي عليه، وعلى أساس الغاية من فرضها وتشريعها والتكليف بها؛ لتركت أثراً كبيراً وعظيماً في أنفسنا، ولأسهمت إلى حد كبير جدًا في إصلاح واقعنا الذي هو مبني على صلاح أنفسنا، وعلى صلاح قلوبنا، وعلى صلاح أعمالنا، وصلاح واقعنا ومعرفة أعدائنا .
من أهم الدروس، ومن أهم العبر، يعطينا دفعةً نحو الله، درس عظيم في التسليم لله، والتوجه الصادق نحو الله الذي ينبغي أن يكون موجوداً لدى كل مسلم، ويجب أن يكون هو القاعدة الذي تتحرك من خلالها في واقع حياتك، فيما تعمل وفيما تترك، وفيما تقف فيه من مواقف
ففي مثل هذه الأيام كان هناك حدث تاريخي مهم وعظيم، وبقي هذه الأيام معلم تاريخي ديني يذكرنا بوحدتنا ، إبراهيم (عليه السلام) وقف و لم يثنه خوفٌ أو رعب أو قلق أو تضحية بالنفس، إبراهيم الذي كسر كل هواجس الخوف مع الله جل وعلا ومتحن فيما يحب، والإنسان عادة ما يكون بين حالة من حالتين: إما خوف وإما محبة، فيما يفعل أو فيما يترك، فيما يقف فيه من موقف، أو فيما يتراجع عنه من موقف، وهنا أثبت إبراهيم (صلوات الله عليه) في مقامات كثيرة كيف أنه كسر كل حواجز الخوف والرعب، وأثبت ثقته العظيمة بالله، واستعداده الكبير للتضحية، وقدم نموذجاً من التسليم رسم معلماً دينياً تاريخياً إلى آخر أيام الدنيا .
وهنا امتحن في مقام آخر، إبراهيم (صلوات الله عليه) كان وحيداً وقارع الشرك وقارع الباطل، وفي نهاية المطاف بعدما قام بمسئوليته على أتم وجه، وأكمل ما يكون في قومه في العراق، وفي بعض من تركيا، وأقام الحجة لله ـ جل وعلا ـ، جاء إذن الله له بأن يغادر ذلك المجتمع، لقد أقام الحجة لله، وقام بواجبه هناك.
وأتى الإذن بالهجرة ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ في تلك الحالة من الوحدة والغربة كان يأمل من الله أن يمنحه ويرزقه بذرية طيبة، وهكذا نفسية الرجل المؤمن، يحرص على أن يكون للحق وللخير وجود، وللحق أتباع يعملون به، ويهتفون به، فحرص إبراهيم على أن يكون له الذرية الطيبة، فإذا لم يستجب لي المجتمع من حولي فلتمنحني يا الله الذرية الطيبة التي تتحرك معي، تعبد الله معي، تتوجه نحوك معي، أسمع منها وأرى منها التوجه إليك، والخضوع لك، والتكبير لك، والصلاة لك، والعبادة والعبودية لك، مثلما أنا عليه، هكذا كانت نفسيته، وهكذا كان توجهه.
فرزقه الله بغلام حليم هو إسماعيل، ومنحه الله هذا الولد بعدما تجاوز مرحلة الشباب، وقد صار في مرحلة الشيخوخة والكِبَر، ونشأ هذا الغلام طيباً مباركاً زكياً تقياً حليماً مثلما وصفه الله، ونشأ كما يرغب إبراهيم الخليل ابناً مطيعاً لله، قانتاً لله، مسلماً لله، خاضعاً لله، خاشعاً لله، متصفاً بالحلم؛ فعظمت محبة هذا الولد المؤنس؛ لكن جاء التكليف الأولي الذي يرتبط أيضاً بهذا، وهو كيف يجعل من ابنه لله، ويجعل نفسه لله، ويكون توجه الجميع نحو الله، الأب والولد والأم، وهكذا ينبغي أن يكون الجميع.
إبراهيم أسكن ابنه إسماعيل وأمه هاجر في مكة، بجوار الكعبة حتى يقيم هناك العبادة لله، هكذا كان هدفه، وهكذا وجهه الله ـ جل شأنه ـ ، وهناك أتى هذا الامتحان ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ قضية من يتأملها وبالذات ذووا الأبناء هم من يعرفون مدى محبة الأب لابنه، والرؤية هذه هي رؤيا يرتبط بها تكليف، ورؤى الأنبياء (عليهم السلام) ليست بأضغاث أحلام، هي جزء من الوحي وهي توطئ لهذا التكليف نفسه، بمعنى إشعار بأنه سيأتيك هذا التكليف فكن مستعداً له، وفعلاً كان موقفهما جميعاً موقف التسليم لله، حتى في مواجهة المحبة، في مواجهة حب النفس، في مواجهة رغبات النفس، والإنسان عندما يتجاوز هذين الجانبين، جانب الخوف وجانب الحب، فلا خوف سيثنيك عن طاعة الله وعن التسليم لله، ولا حب فيما تحبه النفس وتنشد إليه النفس سيثنيك عن طاعة الله والتسليم لله، معنى هذا ماذا؟ معنى هذا التحرر من كل ما يعبدك لغير الله، أحياناً عامل الخوف يعبدك لغير الله، ويجعلك تؤثر غير الله على الله، وتؤثر طاعة غير الله على طاعة الله، وأحياناً عامل المحبة، ما يحبه الإنسان وتهواه نفسه وتتوجه إليه رغبته، يكون هو ما يصدك ويعبدك لغير الله، ففيما إذا تجاوز الإنسان حاجز الخوف وحاجز المحبة حينئذ سيكون فعلاً مسلماً نفسه لله الإسلام الكامل.
﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ يتألم الأب عادة لو سمع صراخ ابنه من حادثة بسيطة ولو من جرح صغير؛ لكن المسألة هنا مسألة ذبح، وأن يستعد لهذا الامتحان والتكليف [ذبح لابنه بيده هذا موقف صعب، وامتحان كبير، فعلاً] في جانب المحبة، ﴿َقالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ أن يقدم إبراهيم (عليه السلام) ابنه في ميدان معركة ليقاتل ويقتل هذا أسهل بكثير من أن يباشر هو ذبح ابنه، يعني: هذا يعتبر أكبر بكثير من أن تُقدم ابنك في ميدان الجهاد، أو في ميدان المعركة ليقاتل فيقتل في سبيل الله على يد الأعداء؛ لكن على يدك أنت وهو ابن بار وزكي وحليم وفي مرحلة الشيخوخة عادة ما يكون الأب أحنى على ابنه وأحوج إلى ابنه.
وهنا إبراهيم (عليه السلام) أيضاً يمتحن إسلام هذا الابن، ومدى تسليمه لله، حين قال لابنه ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ يريد أن يعرف ما مدى تقبله لهذا الامتحان الإلهي، فكان موقف الابن أيضاً موقف الإسلام لله، موقف المحبة لله، من يستعد على أن يقدم رقبته بكل خشوع، وبكل خضوع ليذبح لأجل الله، هذا أصعب أيضاً مما لو كنت تقاتل، المسألة أن تقدم رقبتك ليقوم ولي من أولياء الله الذي هو إبراهيم (عليه السلام) بالذبح، هذا موقف صعب على النفس، يصعب على الإنسان أن يفعل هكذا ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ هكذا هو موقف الإسلام والتسليم الحقيقي لله جل وعلا، فكان الموقف موقفاً عظيماً، ودرساً يبقى عبر الأجيال، وهنا نتعلم من إبراهيم الأب النبي القانت الخاشع الخاضع الذي ارتقت محبته لله فوق كل محبه.
ونتعلم من إسماعيل أيضاً هذا الموقف العظيم الذي هو بحق موقف مؤثر ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ إذا نزل الأمر بذلك فامتثل لله وافعل، فلسنا أنا وأنت إلا عبيداً لله، خاضعين لله، مسلمين لله.
وفعلاً تجهز الأب، واستعد الابن، وصارا جاهزين لتنفيذ التكليف الإلهي منتظرين لحظة الأمر ليطبق. ماذا سمي هذا الموقف؟ سمي إسلاماً؛ لنفهم نحن من سمانا الله المسلمين جوهر الإسلام التسليم ، وحقيقة الإسلام كيف هو؟
الآن على بقاع الأرض هذه مئات الملايين يسمون أنفسهم مسلمين، ويقولون أنهم أسلموا لرب العالمين، وأين حقيقة إسلامهم؟
إسلام ليس فيه إلا شكليات محدودة، القلوب فيه مشدودة إلى غير الله ، مسَلمين لامريكا يرهبونها أكثر مما يخافون الله، ومسلمون أيضاً في واقع حياتهم محبتهم متجهة إلى إخوانهم من أهل الكتاب اليهود والنصارى أمريكا وإسرائيل .
مسَلمين لكل أوامرهم بل يولوا وجوههم إلى بيت غير بيت الله الحرام وهو البيت الأبيض ، مسلمون عبّدهم خوفهم لغير الله، فاتخذوا أنداداً من دون الله من طواغيت البشر، ومسلمون أخضعتهم أهواؤهم وحبهم لغير الله ـ جل وعلا ـ فأبعدهم عن الله، وأبعدهم عن دينه، فماذا كانت النتيجة؟ نتيجة العبودية لغير الله، والعبودية للطواغيت هي الذل في الدنيا، الهوان في الدنيا، الشقاء في الدنيا.
﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أضجعه على جبينه وجهز السكين للذبح، وصار الابن جاهزاً، والأب بمديته قد وضعها على الرقبة، وعندهما كمال الاستعداد وكمال التسليم لله ـ جل وعلا ـ ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ قد تم الامتحان وكان كما لو فعل؛ لأن الله علم من قلب إبراهيم ومن قلب إسماعيل الاستعداد الكامل، وعدم الممانعة، وبكل محبة لله، وبكل خضوع لله، تسليم حقيقي، وهذا جوهر الإسلام المبني على أنك فعلاً مسلم نفسك لله.
وأنزل الله فدية فدى بها إسماعيل (عليه السلام) هي مثلما قال الله ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ قالوا عنه أنه كبش فداه الله به ومن حينها سنت الأضاحي، والأضاحي اليوم صارت مهزلة، ولم يعد همّ الناس من الأضاحي إلا ما يأكلونه من لحومها، وضاعت قضية القربان والتقوى ، الكثير من الناس عندما يقدم هذه الأضحية لا يستشعر مسألة القربى لله والتقوى .
وإنما يتذكر الوجبة الدسمة التي سيحصل عليها من هذه الأضحية، مع أن من الأشياء الهامة في الأضحية أن يتقرب بها الإنسان إلى الله، والله مثلما يقول ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى منكم﴾ لكن عندما يضيع الناس الدوافع التي يجب أن ينطلقون منها إلى العمل، ويغفلون عن الغايات والأهداف من الأعمال لا يبقى لأي شيء قيمة ولا أثر، ولا يترك أثراً من التقوى في النفس، ويضيع كل ذلك .
فمن إيحائات تقديم الاضحية هو الترويض على التضحية في سبيل الله فكل دلائل الحج تنبئ على الجهاد والتضحية فالاحرام أظهار القوة ويوم النفران كالنفور للجهاد واعداد الحصوات لرجم الشيطان كشحذ السلاح واعداده لمواجهة العدو، ووووووأخرها دم أنه لابد من التضحية ودم في سبيل الله ….إلخ.

 

You might also like