حجٌ .. بأية حال
في البداية أقول :عذراً يا رسول الله ، عذراً يا معلم البشرية وهاديها إلى سواء السبيل ، ماذا نعمل هل نذرف الدمع ؟! أم نتباكى فيما بيننا والمقدسات تُنتهك من قبل آل سعود كما انتُهك بيت المقدس من الصهاينة الأنجاس؟!! إنها مفارقة عجيبة يا رسول الله بعد ألف وأربعمائة وأربعين سنة تتعطل فريضة الحج وتتحول إلى مسرحية هزلية يحيكها النظام السعودي وكأنه يُخرج عملاً درامياً من حيث اختيار الحجاج ، الجنس ، اللون ، النوع ، فمن يلاحظ أشكال الحجاج أو الموصوفين زعماً بالحجاج يدرك كيف أن العملية بلغت حداً لا يطاق من الهزلية وعدم الإحساس بالمسئولية تجاه الشعيرة وتجاه مشاعر المسلمين جميعاً .
الحقيقة أن النظام السعودي يُحقق الرغبة التي سبق أن أفصح عنها “بن جريون” أول رئيس حكومة لدولة الكيان الصهيوني ، فلقد قال أن اليهود لن يهدأوا أو يطمئنوا ويشعروا بالأمن إلا بعد أن يتوقف تدفق المسلمين إلى المشاعر المقدسة في مكة والمدينة كل عام وقال طالما ظل هذا الاجتماع السنوي ستظل راية الإسلام مرفوعة ونظل نحن أذلاء رؤوسنا منكسة إلى الأرض ، وعلى مدى مائة عام خلت هاهو النظام السعودي يسعى إلى تحقيق هذه الرغبة بكل ما تحمله من صلف وانعدام للأخلاق وقيم الارتباط بالدين ، لم تكن هذه هي المرة الأولى فلقد بدأت المحاولات من زمناً مبكر ثم تجددت في 2009م بدعوى جنون البقر ثم أنفلونزا الطيور ثم انفلونزا الخنازير لكن كل المحاولات بائت بالفشل ولم يعبأ المسلمين بتلك الدعايات التي تُظهر الرحمة ومن قِبلها يأتي العذاب للإسلام والمسلمين ، لكنهم تدفقوا بالملايين إلى المشاعر المقدسة وأقاموا فريضة الحج في كل عام ، لم يعبأوا بالإرهاصات والدعايات التي روجتها ماكنة الإعلام السعودي مدعومة بالضخ الإعلامي الغربي وخاصة الإذاعات والقنوات الموجهة من أوروبا وأمريكا فكلها صبت باتجاه التحذير من أداء مناسك الحج خوفاً من الجائحة التي كانت تعلن تباعاً ، وفي كل سنة ألقى المسلمون بهذه الدعايات عرض الحائط وذهبوا لأداء فريضة الحج وكلهم ثقة بالله سبحانه وتعالى واستعداداً للموت كما قال أحد الحجاج اليمنيين في 2010م “يشرفنا أن تأتينا المنية في هذا المكان العظيم وندفن بجانبه أو إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم” وهذه نقطة هامة لم يُدركها آل سعود وهي أن اليمنيين يعشقون الموت إن كان من أجل الكرامة وفي سبيل الحفاظ على الدين أو حماية شعائره المقدسة .
للأسف هاهو كل يوم يمر تتأكد معه المقولة التي توضح بأن قيام نظام آل سعود سبق بالفعل نشأة دولة الكيان الصهيوني وأن الحاضنة واحدة و المصدر واحد وهي بريطانيا وأعقبتها أمريكا وهما من يسعيان إلى إفساد فريضة الحج بعد فرض الاحتلال القسري على المشاعر المقدسة في فلسطين المحتلة ، والحقيقة أن الارتباط بين الموضعين ارتباط قدسي مصدره الخالق سبحانه وتعالى كما جاء في قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم ) الإسراء “1” .
كما نلاحظ من الآية القرآنية المسجد الحرام حلت البركة بمجرد بناء الكعبة المشرفة استناداً إلى قولة تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً) أي أن البركة حلت مع البناء ، بينما جاءت البركة لاحقة بالنسبة للمسجد الأقصى وهي معادلة إلهية عظيمة تؤكد الارتباط الوثيق بين الموضعين وتفصح عن معلومة هامة جداً وهي أن الأصل هو المسجد الحرام والامتداد هو الأقصى المبارك ، لهذا تأكدت فريضة الحج وفرضت من زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام وظلت ثابتة إلى يومنا هذا ، وهنا تكمن خطورة ما يسعى إليه النظام السعودي لأنه يترجم رغبات مبيتة لأعداء الإسلام ، من يعلمون علم اليقين أن الإسلام هو الحق وهو الدين الخاتم لكنهم يغالطون وهم اليهود وأتباعهم من أمثال آل سعود وآل نهيان وغيرهم من مشائخ الخليج الهلاميين ، إنها بالفعل مأساة !؟ ولو طُلب من اليمنيين مثلاً أن يجهزوا مليوناً وأكثر لأداء فريضة الحج تحت مزاعم المخاطر من كورونا لفعلوا حرصاً منهم على استمرار الفريضة وتأكيداً لاحترام مشاعر المسلمين في أرجاء الأرض ، فكم من المآسي التي حلت باليمنيين من قبل الفكر الوهابي و النظام السعودي المتأمرك كان أبشعها ما حدث في تنومة حيث أقدم آل سعود على قتل (3000)حاج بملابس الإحرام لا يملكون حتى سكيناً ليدافعوا عن أنفسهم ، مع ذلك لم يتوقف تدفق اليمنيين عن أداء الفريضة بل زادوا في العام التالي أعداداً أكبر من الأولى وكانوا متأهبين لملاقاة أي خطر يواجههم كما أوضح لي ذلك الشاعر الكبير المرحوم أحمد محمد الشامي بمنزله في “بورملي البريطانية” حيث قال أن الإمام يحيى كان يُدرك جيداً أن بريطانيا هي التي تدفع آل سعود للاعتداء على اليمنيين والدليل أن المعتدين استخدموا في ذلك الزمن بنادق جرمل حديثة وعلى نفس المنوال حدث في حرب 1934م بين اليمن والسعودية ، فبريطانيا أرادت أن تُشغِل الإمام يحيى بالحد الشمالي حتى تسلم من أذاه في مناطق احتلالها في الجنوب ، كانت هذه إفادة المرحوم الشامي وهي قريبة إلى الحقيقة لأن نوع البنادق التي تم استخدامها في استهداف حُجاج تنومة كان حديثاً بقياس ذلك الزمن ولم تكن السعودية قد امتلكته ، ما يعني أن بريطاينا هي من زودت عبدالعزيز بن سعود بذلك السلاح ودفعته إلى حرب اليمنيين ، وها هي الليلة تُشبه البارحة، فبريطانيا هي اليوم من توجه النظام السعودي وتزوده بالخرائط والخطط وتعمل لإطالة أمد عدوانه على اليمن .
في إطار نفس التوجه الهادف إلى أضعاف مقاومة الشعب اليمني لصلف آل سعود ومحاولتهم المساس بالمشاعر المقدسة كونها كما قلنا إرادة صهيوأمريكية بريطانية وآل سعود ينفذونها كما ترد إليهم ، الحقائق كثيرة كلها تُعبر عن المرارة والأسى والحزن لكنها إن شاء الله ستكون آخر إسفين في نعش هذا النظام وهذا التوجه الديني الخطير الذي أساء إلى الإسلام وشوه صورته ، والدعوى إلى كل مسلم حريص على الدين والارتباط به بأن لا يظل صامتاً تجاه هذا النظام ، لابد أن يتحرك عامة المسلمين لإزاحة هذا النظام الخبيث المتأمرك عن المشاعر المقدسة وضمان استمرار شعيرة الحج كما أرادها الخالق سبحانه وتعالى .
وأخيراً.. نكرر الاعتذار للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وندعو الأمة إلى اليقظة والحذر من تمادي هذا النظام خاصة نحن في اليمن لأننا حجرة الحرم وحماته على مر الدهور ، ولا يجب أن نسكت على مثل هذه الأعمال التي لا تمت إلى الإسلام بأي صلة ، بل تؤكد التآمر عليه.. والله من وراء القصد ..