قصاصات من الحرب الرابعة
عباس السيد
حي على خير العمل.. وصل أذان العصر في جامع الهادي إلى نهايته ، ومعه وصلت مدة إقامتي القصيرة في صعدة إلى نهايتها.
لملمت أغراضي في غرفة الفندق الذي كان مطلا على الجامع والمدينة القديمة واتجهت نحو الفرزة عائدا إلى العاصمة.
في تلك الأثناء، كانت الحرب الرابعة بين الحوثيين والجيش تقترب من نهايتها أيضا.
توقفت سيارة البيجو في “آل عمار” خرجنا لشراء القات العماري ، وكان لافتا وجود شعارات الحوثيين وصور الشهيد حسين بدر الدين الحوثي في بعض الأكشاك ملصقة في أماكن غير بارزة خلف ظهور بعض باعة القات.
أحد الباعة قال لي : « مافيهاش مشكلة ، الحوثيين بيترددوا على السوق واصل ، يشتروا مننا القات ويروحوا لهم.»
في منطقة بين حرف سفيان والعشة ، أشار راكب عمراني مسن إلى مكان مرتفع ، وهو يحدد لنا موقع الشجرة التي « ربطها عسكر الإمام» بتهمة قتل شخص وُجد ملقيا بالقرب منها ، وهي “الحيلة البلهاء” التي قادت إلى التوصل للقاتل الحقيقي.
قصة ربط الشجرة التي يتناقلها الأجيال مثل حكايات ألف ليلة وليلة ، ما كان لها أن تحيا كل هذه السنين وتلقى هذا الرواج لولا القصور والإخفاقات التي رافقت عمل الأجهزة الأمنية في العهد الجمهوري ، وقد بلغ الانفلات الأمني ذروته مؤخرا وطال حتى ضباط الأمن السياسي الذين باتوا عاجزين عن توفير الحماية لأنفسهم.
كثرة نقاط التفتيش ـ العسكرية والقبلية ـ ضاعفت ساعات الرحلة..وصلنا ريدة عند أذان العشاء، وهناك وصلت نشوة القات العماري ذروتها، كنت واحدا من أربعة ركاب في المقعد الأوسط ، وإلى جانب السائق يجلس اثنان من الجنود المشاركين في الحرب على الحوثيين ، وقد تناوبا طوال الطريق في رواية الكثير من القصص والأحداث التي مروا بها في المواجهات مع الحوثيين، وكانت قصة أسر الجنود لأحد الحوثيين من أكثر القصص إثارة ـ ليس في حروب صعدة الست ـ بل في تاريخ الحروب على الإطلاق.
وهذه هي الحكاية كما رواها الجندي : مرة حاصرناهم في جبل ، ولما اشتد عليهم الخناق ، أرسلوا مجموعة منهم لمهاجمتنا من اجل أن يفكوا الحصار عن خبرتهم.. ما درينا إلا وهم بيننا يصرخوا : الله اكبر ، الموت لأمريكا.. ، قتل منهم من قتل وهرب من هرب واتكونوا جماعة من الجنود.. وقبضنا على واحد من المهاجمين الحوثة.
ويمضي الجندي في حديثه والركاب منصتون : ربطناه فوق الماسورة حق الدبابة ، وكل ما تطلق الدبابة قذيفة يعترد لا تحت الماسورة.. كان وجهه يحمَر ويسوَد والدم يفغُر من أذنيه ساع الحنفي.!
شعرت بالغثيان وأحسسست بوجهي يحمَر ويسوَد مثل وجه الحوثي الأسير. فتحت زجاج السيارة.. ذبلت القات العماري بعد أن طارت نشوته وتحوَّل إلى مجرد مثير للاختناق.. وكم تمنيت ولا أزال أن تكون قصة الأسير الحوثي مجرد كذبة ألَّفها الجندي تحت تأثير القات العماري، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ● وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.