غدير خُم والأمر المنزل .
إب نيوز ٥ أغسطس
منار الشامي
ومع حرارةِ الشمس في الظهيرة ، صفاء الجو، إنصات الجميع ، منطقة تقع في الوسط مابين مكة والمدينة ، صحراوية بجانبها غدير ماء صغير
ليست منطقة مجهزة لتصوير فيلم أو لتلميع صحراء ، بل فيها يتنزلُ الأمر الأخير للرسول ويختم القرآن وتنتهي التوجيهات الآلهية للرسالة المحمدية .
يهرعُ جبريل منادياً لمحمد ، يا محمد هاكَ الأمر المنزل من رب العالمين، هنا يستمعُ محمد للآيةِ وما مضمونها وهو يعلمُ أن لبطلِ خيبر شأنٌ في هذا التوجيه الأخير والنص الخاتم لأكثر من عشرين عاماً عانى فيها مالم يعانيه من قبله رسول أو نبي .
أجواء أكثر من هادئة ، الله يقول وجبريل يتلو ومحمد يستمع والنص هنا يقوله الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والّلَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين) صدق الله العظيم .
بعد أن أستمع الرسول لهذا الخطاب الرباني ينطلق إلى الحجاج فيعيدُ من حثوا الخطى إلى مناطقهم وينتظرُ من لا زالوا في الطريق آتين
يبلغُ عددُ الحجاج مائة ألف حاج وفي وقت الظهيرة تحديداً أثناء الحرارة الشديدة وفي ذلك الجو المشمس والحار والأستقرار والصمت ، والجميع بالرسول صلوات الله عليه وآله يحدقون ،وفي كلِ ذلك ما يوحي للحجاج أن هناكَ أمرُ عظيم ومهم فالترتيبات تلك توحي إلى أن هناك حدثُ فاصل .
يرصُ رسولُ الله أقتاب الإبل التابعة لبعضِ القبائل ولبعض من أهل المدينة ليصعد النبي من عليها ويصعد علياً معهُ ، لتبدأ بين أوساط الحجاج التساؤلات بعد أن كان قد قال لهم الرسول في حجة الوداع “لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا”، فيقولُ البعض لعل علي هو من يستحق أن يكون بعد محمد ولياً ووصياً، والآخر يقول هنا سيكون المحك الرئيسي للأمة من بعد محمد ، فيردف آخرون صعد الرسول ما تراكم تفعلون فلنصمت أخوتي .
يخطبُ محمد بأمته من فوق أقتاب الأبل حيثُ وأن الجميع يراه ويستمع لما يقوله خطبة عظيمة وملفتة والجميع منصتون بجميع حواسهم فبعد أن يوشك محمد صلوات الله عليه وآله أن ينهي خطبته يقولُ لأمته :
❲إن اللهَ مولايْ وأنا مولى المؤمنينَ أولىْ بِهم من أنفُسهم، فمن كنتُ مولاه ❳ فيرفعُ المصطفى بيدهِ يد علي قائلاً ❲فهذاْ عليٌ مولاه ❳فيردف لهم نصاً دعائين ودعويتين ❲اللهمَ والِ من والاهُ وعادِ من عادهُ وأنصر من نصرهُ وأخذل من خذلهُ❳.
فيرفعُ الجميع أيديهم موالين لله ولمحمد ولعلي دون إعتراض فهم يعرفون جلّ المعرفة من هو علي من الله ومن محمد فهو من قال عنه الرسول في خيبر (رجلاً يحبهُ الله ورسوله ويُحبُ الله ورسوله) وهو من قال عنه (علي مع القرآن والقرآن مع علي ) وهو ذاته من قال عنه محمد المختار (علي مع الحق والحق مع علي) والكثيرُ الكثير من النصوص التي بينت أن علياً والياً بعد محمد لاريب فأن يقول الرسول لعلي (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنهُ لا نبي بعدي ) خيرُ دليل، والدليلُ الشاهد أن علياً لم يختلف عن محمد إلا بالنبوة .
بعد أن والى الجميع علياً الذي أختارهُ الله من موقع الولاية والهداية وليس من موقع النبوة ، عادوا أدراجهم وغادروا غدير خمّ لتنتشر بعد ذلك الولاية بين أوساط المسلمين بعد أن كان الجميعُ شهود وبعد أن كانت الإبل أيضاً شاهداً، فتنتهي بذلك التوجيهات الربانية والالهية المنزلة بواسطة جبريل فيبقى القرآن وعلي اللذان قرنهما الرسول معاً قيادةً ومنهاجاً وملجأً وملاذاً للأمة بعد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ، وللأمة بعد أمرِ الله ورسوله ما شاءت فإن أرادت أن تختار منهاج الله وسنته في الأرض بأن يكون الولي هادياً للأمة بعد خاتم أنبيائها نجت وفازت وحازت على رضوان الله، وإن خالفت الأمر المنزل فإن الله سيعاقبها كغيرها من الأمم التي خالفت أوامره وأنقصت من كماله ، فهوت وغرقت وتاهت ولها جهنم وبئس المصير .