عطوان : لماذا يريدون تطبيق السيناريو السوري في لبنان حاليا؟
Share
إب نيوز ١١ أغسطس
عبدالباري عطوان :
لماذا يريدون تطبيق السيناريو السوري في لبنان حاليا؟ وهي ستكون النتائج مختلفة؟ وكيف سيكون “حزب الله” الأكثر استفادة من الغاء اتفاق “الطائف”؟ ولماذا نقترح حكومة انقاذ وطني بزعامة الحص.. ولجنة تحقيق من الجيش برئاسة اميل لحود؟
لنبدأ من الآخر، ودون الإغراق في التفاصيل والتحليلات، فهناك الكثير منها هذه الأيام في الصحف وبرامج التلفزة اللبنانية والعربية، ونقول ان حالة الغليان الحالية التي بلغت ذروتها باستقالة، او اقالة، حكومة حسان دياب على أرضية انفجر مرفأ بيروت، ستؤدي حتما الى اسقاط النخبة الحالية الفاسدة الحاكمة في لبنان او معظمها واتفاق الطائف الذي اتى بها الى الحكم عام 1989، وكل المحاصصات الطائفية المتفرعة عنه.
الشعب اللبناني يريد الإصلاح الديمقراطي الحقيقي للنظام، ودون المساس بالدولة، ولكن الشعب، وللأسف لم يعد صاحب القرار الرئيس، والقوى الخارجية، وخاصة الامريكية والإسرائيلية، وبعض الجهات اللبنانية المتواطئة معها، تريد تكرار السيناريو السوري الذي بدأ قبل عشر سنوات، ومثلما فشلت هذه القوى في سورية ستفشل في لبنان حتما، والسعيد من اتعظ بغيره.
اذا كان السيناريو السوري كان وما زال يهدف الى اسقاط النظام في دمشق، فان السيناريو اللبناني القادم يريد اسقاط “دولة” حزب الله، ونزع سلاحها العسكري، حسب الادبيات الامريكية، لطمأنة دولة الاحتلال، ونزع الرعب من قلوب مستوطنيها، وتأخير حلول نهايتها لأطول وقت ممكن، لان المقاومة اللبنانية باتت تشكل تهديدا وجوديا لهذه الدولة لا يمكن التعايش معه او السماح به.
ومثلما كانت البداية في سورية مظاهرات غاضبة في درعا، فإن البداية في لبنان ستكون مماثلة، وما شاهدناه من مظاهرات واحتجاجات غاضبة في بيروت (قريبا في طرابلس) وتعليق “المشانق” الافتراضية للسيد حسن نصر الله، هو احد المؤشرات الرئيسية في هذا المضمار، فرأس السيد نصر الله هو المطلوب، اما الرؤوس الأخرى من السياسيين اللبنانيين فهي مجرد تضليل ومحاولة مقصودة للتعميم، والادعاء بتطبيق شعار “كلن يعني كلن”، كاملا وبدون استثناء.
***
معظم المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي انطلقت وتحولت الى اعمال عنف، وحروب أهلية، بدأت سلمية تطرح مطالب مشروعة في التغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي، والعدالة الاجتماعية قبل اختطافها، ولهذا جاءت النهايات مختلفة كليا، لان ما يريده المتظاهرون، ويستشهدون من اجله، يتناقض كليا مع ما تريده القوى الخارجية، ولنا في سورية والعراق وليبيا بعض الأمثلة في هذا الصدد.
ندرك جيدا ان الظروف في المنطقة تغيرت في السنوات العشر الماضية، فالدول التي تدخلت عسكريا وسياسيا وماليا في الازمة السورية، تواجه ازمات اقتصادية (انخفاض عوائد النفط) وصحية (انتشار فيروس كورونا)، والتورط في حروب إقليمية، السعودية والامارات (في اليمن)، وتركيا وقطر (في ليبيا)، ولكن عندما تأتي الأوامر من واشنطن بإذكاء فتيل الفتنة الدموية في لبنان، فان الأموال اللازمة لتمويل حروبها تتوفر فورا وتعطى الأولوية، وكذلك الغطاء الأيديولوجي اللازم (الطائفية).
حكومة الدكتور حسان دياب كانت مثل الطفل الخداج المعلعل منذ يومها الأول، ولم يكن مسموحا لها بالحكم، وأُسقطت لان رئيسها اقترح اقصر الحلول للخروج من الازمة، أي اجراء انتخابات سريعة في غضون شهرين، وإعطاء الفرصة للشعب اللبناني لأخذ زمام التغيير بنفسه وعبر صناديق الاقتراع، وليس عبر الاحتجاجات العنيفة، والاطاحة بالتالي بالنخبة الفاسدة الحاكمة، ولهذا بدأت الاستقالات في حكومته نتيجة ضغوط النخبة نفسها، واضطر الرجل الى اتخاذ خطوة استباقية وتقديم استقالته، قبل ان تتم اقالته، والذريعة كانت حتمية وضع قانون انتخابي جديد، وهي مهمة مستحيلة في ظل الظروف المتوترة حاليا.
اليوم اسقاط حكومة دياب، وغدا اسقاط الرئيس ميشيل عون، وبعد غد اسقاط رئيس البرلمان، ودخول البلاد في فراغ دستوري وحكومي يقود الى فوضى وفتح الباب على مصراعيه امام التدخلات الخارجية، والحرب بالإنابة وهذا البديل جاهز ومعد منذ اشهر، ان لم يكن منذ سنوات، ولذلك تتضخم المخاوف من احتمالات مستقبل دموي.
لبنان ينزلق بسرعة الى الوصاية الدولية و”إدارة” المنظمات” غير الحكومية، بحجة عدم وجود حكومة، ولا نستبعد ان يكون اول الواصلين منظمة “اصحاب الخوذ البيضاء” وهم ليسوا بعيدين ومقرهم في ادلب وريف حلب على أي حال، “مسافة السكة” فقط.
لبنان على بعد أسبوع من قنبلة موقوته قد يكون انفجارها مدمرا أيضا، عنوانها اعلان قرارات محكمة الحريري الدولية، وهذه القرارات قد تكون المفجر للمظاهرات العنيفة، والفتنة الطائفية، وتأجيلها لم يكن تعاطفا مع ضحايا كارثة المرفأ، وانما لاختيار التوقيت المناسب، وتهيئة الاجواء الملائمة لهذا التطور المرعب.
“حزب الله” المستهدف، مثل النظام السوري، سيكون عصيا على التغيير وكل مخططات نزع سلاحه، لأنه على عكس جميع خصومه، اقوى تسليحا من الجيش الرسمي، (وهذا ليس ذنبه او مسؤوليته)، وجبهته الداخلية، اكثر تماسكا، ولم تواجه أي انقسامات ذات شأن منذ تأسيسه قبل 40 عاما تقريبا، ويستند الى حلف إقليمي قوي (محور المقاومة) والاهم من ذلك نجح في بناء تحالفات داخلية مع معظم الوان الطيف اللبناني الطائفي من مسيحيين وسنة وشيعة ودروز، وسيكون من اكثر المستفيدين من الغاء اتفاق الطائف، لأنه لا يتولى أي من الرئاسات الثلاث المنبثقة عنه، واثبت دائما انه لا يريد الحكم لوحده، وقدم تنازلات كبيرة للحفاظ على الدولة اللبنانية.
***
في لبنان كفاءات وطنية عالية، وحكماء من كل الطوائف، يمكن ان يتحركوا بسرعة في مهمة لتجنيب البلاد هذا المنزلق الخطير الذي تحاول امريكا وإسرائيل وفرنسا وبعض العرب جره اليه، فلماذا لا تتشكل من هؤلاء حكومة “انقاذ وطني” انتقالية ولتكن بقيادة سليم الحص، او من يختاره وتضم شخصيات نظيفة من مختلف الطوائف، او ان يتولى العماد اميل لحود رئاسة لجنة تحقيق وطنية تضم جنرالات في الجيش لكشف ملابسات انفجار المرفأ الكارثي؟ وكبديل عن لجنة التحقيق الدولية التي تثار حولها علامات استفهام عديدة.
نصيحة لكل المتآمرين، والمتطوعين المحتملين، للمشاركة في المخططات الامريكية الإسرائيلية الفرنسية بأن يتريثوا قليلا، وان يحاولوا الاستفادة من دروس السيناريوهات السورية والعراقية والليبية قبل توريط انفسهم، واحزابهم، وطوائفهم، ولبنان كله في المحرقة الجديدة المعدة حاليا في الغرف السوداء الامريكية والاسرائيلية، فحزب الله المستهدف اليوم غير “حزب الله” عام 2005.
وربما يفيد التذكير بأن أثار الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما ما زالت ماثلة على الأرض وفي الاذهان، ومقاتلو حزب الله جزء اصيل من النسيج الاجتماعي اللبناني، ولا يمكن اخراجهم على ظهور السفن، بسلاحهم او من دونه الى قبرص وتونس في صفقة أمريكية مسمومة.. الزمن تغير جذريا.. والايام بيننا.