عبدالباري عطوان : العراق ينضم الى قائمة اعداء تركيا بعد مقتل ضابطين بقصف لطائرة مسيّرة.
Share
إب نيوز ١٢ أغسطس
عبدالباري عطوان :
العراق ينضم الى قائمة اعداء تركيا بعد مقتل ضابطين بقصف لطائرة مسيّرة.. لماذا “تستعدي” السلطات التركية جميع دول الجوار العربي؟ وهل من الحكمة فتح عدة جبهات في سورية وليبيا والعراق الى جانب مصر واليونان وارمينيا في الوقت نفسه؟
بعد الهجوم الذي شنته مسيّرة تركية على موقع عسكري عراقي شمال أربيل في إقليم كردستان، وقتل ضابطين عراقيين، بات واضحا ان هذه الاعتداءات التركية المتكررة لم تبق لأنقرة صديقا عربيا واحدا بما في ذلك دول الجوار، فقواتها تتغلغل في سورية، وتحارب في ليبيا، وها هي تنتهك السيادة العراقية، وعلى حافة صدام مع مصر وتوتر مع دول الخليج الامر الذي يعرضها لانتقادات وانتهاكات عديدة ابرزها انها لا تقاتل الا العرب، ولا تحتل الا أراضيهم، وهي ظاهرة متصاعدة لا تدرك القيادة التركية مخاطرها المستقبلة.
السلطات العراقية عبرت عن هذا الانتهاك الصارخ لأراضيها، ومقتل ضابطين اثنين من عسكرييها بإلغاء زيارة كانت مقررة لوزير الدفاع خلوصي اكار الى بغداد، واستدعت وزارة خارجيتها السفير التركي في بغداد مرتين للاحتجاج، وهناك ضغوط متصاعدة من قوى عراقية لاتخاذ مواقف اكثر تشددا.
تركيا تحتفظ بأكثر من 10 مواقع عسكرية في شمال العراق بهدف التصدي لهجمات حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا، وهناك من يقول ان هذا العدد تزايد في الأعوام الأخيرة، وبات يشكل قلقا للدولة العراقية، التي تواجه مطالبات شعبية بضرورة اغلاقها فورا.
السلطات التركية تقول ان من حقها مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني التي تنطلق في هجماتها ضد قواتها من شمال العراق، او تجد المأوى فيه، ولكن هذه المطاردات وما تحتويه من اعمال قصف مدفعي وصاروخي يجب ان يكون بالتوافق مع الدولة العراقية، وفي اطار تفاهمات مشتركة، وليس من جانب واحد فقط، وانتهاك السيادة العراقية بالتالي.
يصعب على أي مراقب فهم هذه السياسة العدوانية التركية تجاه جيرانها العرب، سواء كانوا قريبين مجاورين، او بعيدين، الامر الذي يؤدي الى حشد هذه الدول ضد تركيا الدولة المسلمة التي من المفترض ان تكون صديقة ومدافعة عن القضايا العربية في وجه الهجمة العدوانية الامريكية الإسرائيلية.
القوات التركية تحتل أراضي في شمال غرب سورية، وتدعم قوات المعارضة المسلحة، وترسل اكثر من 17 الف مقاتل الى ليبيا وآلاف الاطنان من المعدات العسكرية الثقيلة لدعم حكومة الوفاق الموالية لها، وتقيم قواعد بحرية في مصراته، وثانية جوية في “الوطية” شمال غرب طرابلس، وتتطلع الى ثالثه في سرت، ورابعة في الجفرة، وتحشد حاليا قواتها استعدادا للمعركة، وفوق هذا وذاك توشك ان تدخل في مواجهة عسكرية مع اليونان، وربما الاتحاد الأوروبي، بعد قرارها استئناف التنقيب عن الغاز والنفط في منطقة اقتصادية متنازع عليها، وتؤكد انها جزء من جرفها القاري، ولا ننسى قرار الحكومة التركية بإرسال قوات لدعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، وما سببته هذه الخطوة من حالة غضب مع ايران وروسيا ابرز حلفائها في المنطقة.
كل هذه “التحركات” العسكرية التركية تتم في وقت يواجه الاقتصاد التركي أزمات متفاقمة، سواء بسبب تراجع السياحة، او الضغوط الخارجية، او تفشي وباء الكورونا.
لا نجادل مطلقا بأن تركيا تملك جيشا قويا، هو الثاني حجما وعتادا في حلف الناتو، يملك خبرات عسكرية عالية المستوى ومعظم تسليحه محليا ونتاج صناعة عسكرية متطورة جدا، ولكن فتح اكثر من جبهة في الوقت نفسه، ومعاداة معظم، ان لم يكن كل دول الجوار في الوقت نفسه مثل سورية وايران والعراق وروسيا، يعكس غياب الحكمة، مثلما يعكس مغامرات تتسم بالتهور، في نظر الكثير من المراقبين.
لا نعرف من الذي يقف خلف كل هذه السياسات والحروب التي قد تترتب عليها، ولكن ما نعرفه ان التجربة التركية في النمو الاقتصادي المعزز بالديمقراطية والوسطية الإسلامية المعتدلة تواجه امتحانا صعبا قد يكون من الصعب تجاوزه بنجاح، والحفاظ بالتالي على هذه الإنجازات.
الرد على الانتقادات لا يكون بالشتائم والسباب وتكميم الافواه والجيوش الالكترونية، وتقليص سقف الحريات التعبيرية، والاستماع لوجهة نظر واحدة مُحرضة، وانما بالمراجعة والتغيير، واتباع النهج الدبلوماسي، والا فان النتائج ستكون خطيرة، ومكلفة لتركيا وشعبها وامنها واستقرارها.. والله اعلم.