عطوان : جميع اتفاقات التطبيع مع “اسرائيل” خيانة والاماراتي الأخير ليس استثناء.
Share
إب نيوز ١٤ أغسطس
عبدالباري عطوان :
جميع اتفاقات التطبيع مع “اسرائيل” خيانة والاماراتي الأخير ليس استثناء.. كيف يكون تصفية القضية الفلسطينية يوما تاريخيا؟ وما هي المكاسب التي خرجت بها أبو ظبي من تتويج نتنياهو زعيما يفرض “الجزية” على شعوب المنطقة؟ ولماذا نترحم على الشيخ زايد بعد ان اصبح النفط اغلى من الدم؟
هذا الاتفاق التطبيعي الذي توصلت اليه دولة الامارات مع “إسرائيل” برعاية أمريكية هو قمة الخيانة مثله مثل جميع الاتفاقات والمعاهدات التي سبقته واقدمت عليها كل من مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وسينطبق التوصيف نفسه على أي اتفاقات مستقبلية مماثلة، ووعدنا بها دونالد ترامب وصهره كوشنر.
مؤلم ان يهلل البعض لهذا الاتفاق ويحاول تبريره والقول بأنه “تاريخي” ويمثل عصرا جديدا للعالم العربي، فهل بيع فلسطين تطبيقا لصفقة القرن، والتنازل عن القدس واقصاها، والخرود عن كل الثوابت العربية والإسلامية، يوم تاريخي؟ وهل تتويج إسرائيل زعيمه العرب السنّة بحجة مواجهة ايران يشكل عهدا جديدا؟ وخطوة رئيسية على طريق السلام العادل؟ أي سلام عادل في اتفاق لم يذكر القدس او الدولة الفلسطينية، او حتى المبادرة العربية على سوئها؟ نرجوكم احترموا عقولنا اذا لا تريدون احترام مشاعرنا.
نعم هذا الاتفاق الاماراتي الإسرائيلي سيقود الى سلام دائم للقضية الفلسطينية، أي تصفيتها بشكل نهائي، ولعل نتنياهو كان الأكثر تعبيرا عندما قال انهم يطبعون معنا لأننا أقوياء وهم ضعفاء، ووفق صيغة السلام مقابل السلام، ولكنه يتحدث هنا عن عرب يطبعون او سيطبعون معه، وليس عن العرب الآخرين المقاومين الذين جعلوه يهرب مثل الفأر للنجاة بحياته بعد هطول الصواريخ القادمة من قطاع غزة مثل المطر فوق رأسه ومستوطنيه في مدينة اسدود عندما كان يلقي خطابا انتخابيا في أنصاره.
***
كان بعضنا يدفع الجزية لواشنطن والرئيس ترامب، نقدا او على شكل صفقات أسلحة مقابل الحماية، والآن سيدفع هذا البعض نفسه وفي دول الخليج خاصة، الجزية الى دولة الاحتلال ايضا، من منطلق الخوف والرعب، وسعيا للغرض نفسه، أي “الحماية” من خطر مزعوم.
نعرف ان كل من نتنياهو ترامب المأزومين خرجا فائزين من هذا الاتفاق ولو مؤقتا، ولكن ما هي المكاسب التي حققتها حكومة دولة الامارات من وراء توقيعه، وهي الدولة النفطية الثرية، والموقعة معاهدات دفاع مشترك مع فرنسا وامريكا وبريطانيا، وتوجد على ارضها قواعد عسكرية لها، والتقى وزير خارجيتها قبل أسبوع بنظيره الإيراني بشكل ودي وفي اطار تحسن متسارع في العلاقات بين البلدين؟
الدول توقع اتفاقات سلام بعد حروب او توترات مع الأعداء، فهل كانت دولة الامارات في حال حرب مع “إسرائيل” وخاضت حروبا ضدها ونحن لا نعرف؟
نفهم لو ان أحوال الدول التي وقعت اتفاقات ومعاهدات سلام مع “إسرائيل” في الذروة، وجنت ثمارا اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية من جراء هذه الخيانة، ونحن نتحدث هنا تحديدا عن مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن أوضاع هذا المثلث في قمة السوء، فإسرائيل كافأت مصر بدعم سد النهضة وحمايته عسكريا، وتستعد لضم غور الأردن وسرقة مياهه واراضيه الزراعية، تأكيدا على حسن الجوار مع عمان، اما السلطة الفلسطينية التي كانت وكيلا للترويج للتطبيع وسجلت سابقة التنسيق الأمني فحالها يصعب على الكافر.
شكرا للدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي الذي طمأننا بأن السفارة الإماراتية لن تقام في القدس المحتلة، وانما في تل ابيب او “أبو ديس”، وهذا موقف “وطني” يحسب له.
احببنا الامارات، وملايين العرب والمسلمين مثلنا، عندما كانت قبلة العروبة، والناصر المتميز لقضايانا العربية، ويتزعمها رجل عروبي فاضل يقف في خندق المقاومة، واطلق صرخته التاريخية اثناء حرب 1973 عندما اغلق صنابير النفط قائلا “النفط ليس اغلى من الدم”.
***
الآن فقط تأكدنا من الأسباب التي أدت الى مؤامرات تدمير العراق وليبيا واليمن وسورية، وتجويع الشعب الفلسطيني، وتزيين الخيانة لمنظمة التحرير، وتسميم قائدها المؤسس الذي أراد ان يكفر عن خطيئة أوسلو بإشعال فتيل المقاومة.
من رحم هزيمة لبنان عام 1982 انطلقت المقاومة الإسلامية، ومن رحم هزيمة حزيران 1976 انبثقت المقاومة الفلسطينية، ومن قلب مؤامرة كامب ديفيد الثانية عام 2000 لتركيع القيادة الفلسطينية انطلقت الانتفاضة المسلحة الثانية في فلسطين المحتلة.
هذه الامة ولاّدة، وعقيدتها صلبة، وشعوبها معطاءة تملك رصيدا ضخما من الانتصارات، وارثا حضاريا هو الاضخم في المجالات كافة، قد “تتوعك” ويتطاول عليها بغات الطير، ولكنها ستنهض حتما وتنتفض.. والأيام بيننا