دروس من الهجرة النبوية وأثرها في واقعنا المعاصر.
إب نيوز ٢٠ أغسطس
عدنان الجنيد.
تمثل هجرة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – بالنسبة لنا نقطة تحول وتغيير واقع أفضل ، وتفاءلا بمستقبل فيه عزتنا وكرامتنا ونصرنا فكما أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بهجرته المباركة وبتضحيته العظيمة وبأخذه للأسباب وللحيطة والحذر غيّر واقعه وواقع اتباعه
فبعد أن كانوا مستضعفين في مكة لا يقدرون على حماية أنفسهم ولايستطيعون أن يظهروا شعائرهم الإسلامية ولا عبادتهم الدينية فضلاً عن أن يكون لهم دولة وسيادة وحماية ..
ولكن بعد أن تم التخطيط والترتيب للهجرة والاستعداد لها ومباشرة الأسباب وأخذ كل جوانب الحيطة والحذر مع الثقة بالله والتوكل عليه نجحوا في هجرتهم ووصلوا إلى مدينة عزهم ونصرهم وأسسوا دولة إسلامية أرعبت دول الاستكبار آنذاك ( الفرس والروم ) وهاهي أنوار هذه الهجرة النبوية بما فيها من دلائل عظيمة وفوائد فخيمة واشارات كريمة تنعكس على واقع الشعب اليمني وقيادته الحكيمة ..
فقد كان شعبنا مستضعفاً يئن تحت وطأة الهيمنة الأمريكية والوصاية السعودية وإذا بنور المسيرة القرآنية يظهر من جبال مران فيبدد ظلام الاستعباد لغير رب العباد وخرج هذا النور وواجه كل أنواع الظلم والآذى إلى أن جاء قائد الثورة المباركة وحرك الشعب بكلماته ونفحهم بنفحاته حينئذ خرج الشعب اليمني تحت راية قائده .. خرج بثورة إلهية رافضاً للهيمنة الأمريكية والوصاية السعودية فقام الاستكبار العالمي واحذيته من الأنظمة العميلة بشن حرب كونية على هذا الشعب ليعيدوه تحت الهيمنة والوصاية والاستعباد لكنهم عجزوا عن كسر إرادته ورغبته في استقلاليته ، فحقق – هذا الشعب الانتصارات العظيمة – بعد أخذه بكل الأسباب واثقاً بربه مرتبطاً بنبيه وبأعلام الهدى فصنع الصواريخ وطورها وابدع في صنع الطيران المسيّر..لقد أبهر العالم بأسلحته وبقوة صبره وثباته ورباطة جأشه …
وهاهي مناسبة ذكرى الهجرة النبوية تهل على شعبنا الصامد وهو مقبل على نهاية عامه السادس من العدوان البربري الغاشم الذي يرتكب فيه أنواع المجازر الشنيعة والجرائم المريعة وذلك بغية اركاعه ومع ذلك فشل ولم يحقق أي هدف من أهدافه ..
فما أحوج شعبنا اليمني اليوم إلى الاستفادة من هذه الذكرى ليزداد ثباته وصموده وثقته بنصر الله له
وهنا سوف أوجز بعض الدروس التي نستفيد منها من هجرة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – في واقعنا اليمني وإليك طرفا من ذلك
-* نستفيد من هجرة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – حب الوطن حيث قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عندما خرج من مكة مضطراً وهي أحب البلاد إليه متجهاً صوب المدينة : ” أني أعلم أنك أحب البلاد إلى الله وإليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني ماخرجت ” فبشره ربه وأنزل عليه قوله تعالى :(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ..) وفعلاً عاد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بعد سنوات إلى مكة فاتحاً كما وعده الله تعالى..
لهذا ندعو شعبنا اليمني بكافة اطيافه السياسية والحزبية إلى التفاني في محبة وطنهم واظهار ذلك الحب برفد الجبهات بالمال والرجال والسلاح والغذاء وأن يستمروا في صمودهم وثباتهم ويثقوا بنصر الله فهو آت لا محالة…
-* لقد جاءت حادثة الهجرة النبوية بعد زمان الأذى والفقر والتضييق والاضطهاد والحصار الاقتصادي الذي أنزله الأعداء بمن آمن بالله ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – وإلى جانب ذلك كان المسلمون آنذاك قلة في العدد ولم يكن لهم ملجأ إلا الله عز وجل ثم بالهجرة النبوية انكشفت غمة الحصار والتضييق وانتشر نور الإسلام وظهر أمر المسلمين في كل مكان ..
وهكذا بتحرك الشعب اليمني وبثقته بنصر الله تعالى سوف تنكشف عنه غمة الحصار والتضييق وسوف يكون له الظهور تصديقاً لوعد الله (..وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.) وسوف يصل نور المسيرة القرآنية إلى كل مكان والتي بها ستنهد أركان الطغيان من الصهاينة والأمريكان.
* نستفيد من هجرة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – التضحية والفداء وأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة وتتجلى في الإمام علي بن أبي طالب الذي فدى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بنفسه عندما نام على فراشه – صلى الله عليه وآله وسلم – ليرى الإسلام النور الواعد ..
فهنا قدم الإمام علي – عليه السلام – المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وضرب في ذلك المثل والفداء..
وهكذا يجب على جميع فئات الشعب وأطيافه الحزبية أن يقدموا مصلحة البلاد على مصلحتهم الخاصة والحزبية الضيقة وذلك بأن يوحدوا صفهم ويلموا شملهم ويتركوا خلافاتهم وخصوماتهم ومناكفاتهم السياسية ويدافعون على بلادهم ويضحون من أجل وطنهم في الذود عن حياضه والدفاع عن حريته واستقلاله…
* نستفيد من هجرة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – في واقعنا الثقة بالله والآخذ بالأسباب فالرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – أخذ بكل الأسباب مع أنه يستطيع أن يدعو الله بأن يطمس أبصار المشركين ويهاجر جهاراً نهاراً أمام أعينهم ولكنه لم يفعل ذلك بل أخذ بالحيل والأسباب والتخفي وذلك لأنه قدوة لمن بعده والأسباب سنة كونية لابد من أخذها..
فالثقة بالله والتوكل عليه لاتكون إلا بعد أخذ الأسباب ..
وهكذا علينا كشعب يمني الأخذ بجميع الأسباب لمواجهة هذا العدوان وأن نقدم كل ما لدينا من قوة (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ…) ثم نثق بنصر الله ، وقطعاً إذا فعلنا ذلك فسوف يحدث التدخل الإلهي ويتجلى النصر كما تجلى لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وأصحابه وآل بيته الطاهرين..
* نستفيد من هجرة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – في واقعنا اتقان التخطيط وحسن توظيف الطاقات ..
لقد تم علف الراحلة وتجهيزها قبل أربعة أشهر وبسرية تامة
وكلَّف علي بن أبي طالب بالنوم في فراشه – صلى الله عليه وآله وسلم – تمويهاً على المشركين وتخذيلاً لهم وهو دور الفتيان الأقوياء…
وأمَّا دور النِّساء، فيمثِّله قولُ عائشة – كما في البخاري – متحدِّثة عن نفسها وأختها أسماء: “فجهَّزْناهما أَحَثَّ الجَهازِ” أسرعه، والجَهاز: ما يُحتاج إليه في السَّفر، “وصنَعْنا لهما سُفْرة” الزَّاد الذي يُصْنع للمسافر “في جِراب” وعاء يُحْفَظ فيه الزاد ونَحْوه، “فقطعَتْ أسماءُ بنت أبي بكر قطعةً من نِطاقها، فربطَتْ به على فَمِ الجراب….”
وأمَّا دور الأطفال، فيمثِّله عبدالله بن أبي بكر، قالت عائشة – كما في البخاري ايضا -: “ثُم لَحِقَ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلَّم – وأبو بكر في غارٍ في جبل ثَوْر، فكَمُنَا” اختفَيا “فيه ثلاثَ ليالٍ، يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلامٌ، شابٌّ، ثقفٌ” حاذق فطن، “لَقِنٌ” سريع الفهم، “فيدلج من عندهما بِسَحَر” قُبَيل الفجر، “فيصبح مع قريش بِمكَّة كبائتٍ، فلا يَسْمع أمرًا يُكتادان به إلاَّ وعاه، حتَّى يأتيَهما بِخَبَرِ ذلك حين يختلط الظَّلام” تشتد ظلمة الليل..”
ومن كمال التخطيط كان الراعي عامر بن فهيرة يسلك بقطيعه طريق الغار ليُزيل آثار الأقدام المؤدية إليه ثم يسقي النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وصاحبه من لبن غنمه ..
ومن كمال التخطيط أتخذ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عبدالله بن أريقط دليلاً ماهرا عارفاً بالطريق ومتقناً لعمله ، ولذلك أرشدهم – بمهاراته – إلى اتخاذ طريق غير الطريق المعهودة..
بهذا تعلم بأن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ما هاجر إلا بعد أن أتقن التخطيط واستغل توظيف الطاقات وعمل بالتمويه وموُّه في طريق سفره وحركته على الأعداء بسرية تامة ناهيك عن أنه جنّد العيون والأرصاد.
ونحن علينا كشعب يمني مجاهد أن نحسن اتقان الترتيب و التخطيط في جميع جوانبه في مواجهة اعدائنا وأن نستغل توظيف جميع الطاقات بما يخدم البلد في الدفاع عن سيادتنا ووطننا ..
وعلى المجاهدين أن يعرفوا أساليب العدو وتكتيكاته التي يعتمد عليها في الرصد والاستهداف التي تُلحق ضررا كبيرا وخسائر بشرية ومادية والاجراءات الوقائية منها..
فالمجاهدون معنيون بالإعداد والترتيب والتمويه لأنه يقلل حجم الخسائر..
يقول قائد الثورة – حفظه الله – : ” القتال مع العدو ليس إلا جزءاً واحدا من أعمال المعركة والجهاد يرتبط بما قبله من اجراءات وترتيبات وهو الثمرة التي تقطف لتلك الاجراءات فإن حصل فيها خلل انعكس ذلك على الثمرة وقت قطافها ..”إه
قلت : وعلى المجاهدين أن يتعلموا من الهجرة النبوية ضرورة السرية في نقل الأخبار الهامة و التحركات العسكرية لأنها قد تسبب الفشل الذريع لدى المجاهدين إذا ما تسربت للعدو..
وكذلك العمل على معرفة مايقوله العدو وما يخطط له ..
كل هذه الامور لابد أن يعيها المجاهدون من الجيش واللجان الشعبية لأنها من أسباب حصول اللطف والعون الإلهي
* نستفيد من الهجرة النبوية درس التفاؤل والأمل فهذا سراقة بن مالك قد وعدته قريش بجائزة مائة من الابل إن هو أتي بمحمد حياً أو ميتاً ، فلحق سراقة بالنبي – عليه وآله الصلاة والسلام – فساخت أقدام فرسه في رمال الصحراء فالتفت إليه رسول الله قائلاً : كيف بك ياسراقة إذا لبست سواري كسرى ) وفعلاً عاد سراقة من حيث أتى ..
وهنا نسأل : ما الذي دفع الرسول – عليه وآله الصلاة والسلام – إلى هذا القول ؟ ومعلوم أن فارس والروم كانتا مثل أمريكا وروسبا اليوم
الجواب : الذي دفعه إلى ذلك هو إيمانه وثقته وأمله بربه في نصر الله للمؤمنين ، وفعلاً تحقق لسراقة ما أخبره النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – به وذلك في خلافة عمر بن الخطاب عندما فتح المسلمون بلاد فارس..
ومثل هذا التفاؤل حدث في الخندق عندما بشر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أصحابه بقصور فارس وبشرهم بالنصر ..
فالإسلام يطرد التشاؤم بالتفاؤل والعسر باليسر واليأس بالأمل والكسل بالعمل ، فعلينا كشعب يمني أن نكون متفائلين بكل خير قادم مهما اشتدت علينا الخطوب ومهما زاد العدوان في جرائمه وعدوانه فالليل مهما طال فلابد من بزوغ الفجر وان فجر النصر الأكبر آت بإذن الله.