قسيسة من خلف الضباب

إب نيوز ٢٥ أغسطس
عفاف البعداني

-تُبحلق وكان عينيها سوف تقفز لاصتياد الجواب قائلة:.. لقد عرفتُ يا إنسية هل تقصدي بأن أعود إلى عالمي ،هل تقصدي أن براءة الورق مرتبط بتواجدي،وهل تعتقدي أني أحمل قلمًا أبيضًا كمعلمي ،وأن النقطة ستحيا وتكبر لتكون قلبا وهي لوحدها،لا… لا أظن، لقدذهب معلمي وقدكان أفقه من كل القساوسة في عالمي،وقُتل ولم يستطع أن يواجه أصحاب الوردة السوداء.

-ولكن يكفي أنه حاول واستمر وخلد له تأريخًا في ذاكرة عالمكم ،ويكفي أنه ترك لك القلم ولم يأخذه، فالعلم والخير ليس مقصورا على شخص واحد بل هومتوارث، وأني لأجد القلم الأبيض بحوزتك .

-القسيسةبدهشة….القلم أين هو ليتني أمتلكه! ؟
– تمتلكيه أتعرفي تلك البوابة وذلك الكتاب الذي فتح قلبه نحو الشجرة ،هو بحد ذاته وحي لقلم أبيض قادم من ولاءك لقضية معلمك .

– أنتي محقة إذًا هذا هو لغز وصية قبر قرعدستان بقرب شجرته ، ولكن هل تظنين أني أستطيع! ؟

وبينما زهرة منهمكة معها بالحديث إذ باﻷُم /سديم… قد عادت من السوق وتصعد للغرفة وتنادي: ابنتي زهرة… لقدوصلت ،واشتريت لك حلوى رائعة ،وعقدجميل ،تعالي ياعزيزتي.

تقول زهرة: سُعدت كثيرًا وركضت مسرعة ليس فرحا بما أحضرته أمي وإنما طربا بأني سأعقد مقابلة بين أمي والقسيسة، حتى تدرك أني محقة ولست مجنونة جبل الضباب.

-أُمسك بيد أمي وأشدها بحب نحو غرفتي ..تعالي… لدي مفاجأة.
-زهرة مابك ولما تشدينني، هدئي من روعك .
– أمي انظرِ من زارني اليوم ..
-تدور أعين سديم الواسعة في أنحاءالغرفة ولاتجد أي أحدزهرة هل أنتي بخير ،لاأرى أحد؟؟؟
– أمي انظرِ هناك على المقعد ولم انتهِ من كلامي إلا واشتعل الرأس فيني شيبًا ،فأنا لم أجد القسيسة اختفت بسرعة البرق ولم تترك لها أي أثر.

– زهرة ماذا يحصل من الذي زارك ؟؟؟
-أرد مرتبكة وقدهوى فكري إلى قاع المخاوف: لاشيء يا أمي العزيزة ،أردت فقط أن أُريك الثوب الذي صنعته بغيابك.

ابتسمت سديم وهي مليئة بالشك تعلم يقينا أن ابنتها تخفي أمرًا ،ولكي لا تزيد زهرة من قلق أُمهاغيرت الموقف قائلةً:أمي مالذي اشتريته لي من السوق ؟

-تعالي وانظري.
– كانت الحلوى المفضلة عندي وكان العقد فيروزيايتﻷﻷ كالبدر المكتمل ، رسمت ملامح البهجة اﻷنوثية، والفرحة الطفولية،ورحت أتلمس وأحدق في العقد واهمة أمي بأني أعدحبات الؤلؤ ،وفي الحقيقة أني شاردة الفكر في كل ماحدث قبل قليل في غرفتي .

-تكمل زهرة سردها قائلة:.. أعددنا الطعام وتناولنا الغداء ،وعلى حين راحة، أخي اتصل بأمي أنه لن يرجع من الجامعة لبيتنا بل سيقيم في بيت عمي إلياس لمدة شهرين، حتى يخفف تكاليف الدراسة، اقتنعت أمي برأيه رغم حزنها الذي كان باديًا عليها.

غسلت الصحون وبدى الأذآن يصدح ويمحو من مدينتي الضبابية كل آثام العالم ،كان صوت المؤذن هذه المرة مختلف وكأنه يمتص شتاتي وهشاشة روحي المترعة بالتعب ،توجهت للصلاة ورفعت يدي لله رأجية أن يحفظ لي أمي التي أراها حياتي الأولى والآخيرة في هذه الحياة ،طالما تحاول أن تنسيني رحيل أبي،لم أشعر أني يتيمة كون حنانها يرافقني باستمرار،ودعيت لأخي البعيد الذي يحلم بأن يكمل شهادته الجامعية ليصبح فردًا نافعا للدفاع عن الوطن ويسلك طريق أبي في الجهاد،اختتمت الدعاء لأبي الراحل -السيد جواد- أخبرته عبر بريد روحي بأني اشتقت إليه وأتمنى أن أراه ولو للحظة كم أود إخباره أني كبرت وأصبحت هذا الشهر عشرينية عاقلة أُجيد إخفاء دموعي وشوقي له بحضور أمي الصابرة.

اختتمت دعائي وانتهيت من الصلاة رفعت السجادة،وأخذت الأذن من أمي ؛كي أذهب إلى المركز وأقيم بعض الدروس لطالباتي اللاواتي ينتظرنني بشغف،أمي تجمع صديقاتها وينهمكن في حياكة الأثواب الصوفية للمجاهدين فالبرد هذه الأيام قارص وبشدة.

وصلت للمركز وبدأت الدرس كان حول الثقة بالله من ملزمة السيد/ حسين…. اختتمت الدرس بتلاوة شجية لعزيزتي نوال،كان صوتها جميل يزيح جبال على كاهلي ، ويأسرني في بوابة من الراحة،انتهى الدرس الساعة الخامسة إلا ربع ،وأنا في مقربة الباب إذ تقترب مني نوال وفي فمها كلام ،نوالي هل تريدين إخباري بشي ء.

-أممم نعم; أعني لا ;أعني نعم.
-نوال مابكِ مرتبكة تعالي، مسكت بيدها وكانت باردة ،في عز الارتجاف، جلسنا في زاوية المسجد فإذا بها تنظر لي وعينيها مليئة بالدموع ،سألتها لما تلك الدموع بدأت أقلق أخبريني ؟؟
-زهرة.
-ياعيونها مابك.
-أنا بائسة وأخالفك تمام عندما قلتِ أن الله معنا في كل لحظة.
-لما مالسبب الذي جعلك تقولي هذا!!

– أبي… غدًا سوف يزوجني على رجل كبير ولمنطقة بعيدة عن حدود الضباب، أغراه ثراءه ولم يكترث بأني لا أريد الزواج الآن وقريبًا سيتم عقد القِرآن ،وقددعيت الله ودعيت ولم يحدث شيء، لا أريد أن أتزوج ،و لما الله لايبعد هذا الرجل عني ،لما الله لم يسمعني وأنا أبكي بحرقة،إن حدث هذا سوف تنتهي حياتي وساموت متأثرة بفستاني الأبيض ولن أسامح أبي ماحييت .

لم تكف عن الدموع لقدكانت مرهقة لدرجة أنها لم تعد تتفوه بأي كلمة سوى سيول من البكاء ظليت بقربهاوهمست في أذنها :((نوالي” الله قد هيأ لنا الحياة قبل أن نأتي نحن البشر، ولن يحدث إلا ما أراده الله ،هو يعلم أن هذا القلب ينبض بالحياة وهو متكفل بسعادته،يعي حوادث الأشياء قبل أن تأتي ويحصي ورق الخريف قبل سقوطها ،الله يعلم بأمرك وهو أهلا لتقبل دعائك في البارحة ،واقطعِ حبال العجلة توجي نفسك بالصبر والتوكل على الله ارمِ حقائب روحك الثقيلة،وحلقي بفكرك خفيفة المتاع نحو السماء فالحياة تتطلب من قلبا خفيفا لاتسكنه هموم البشر ،ولاتظنِ ولومحظ ظن أن تأخر الإجابة معناه أن الله ينسى حاشاه ؛بل هناك حكمةتقتضي ويجهلها عقلنا البسيط ))

.

You might also like