يأبى (اليمن) العظيم إلا زلزلة عروش الطواغيت.

إب نيوز 28_يونيو

 

د.عبدالرحمن أحمد ناجي فرحان

كنت أتعجب منذ طفولتي للسبب الذي يجعل الجيران متمسكين بوضع العقال على رؤوسهم ، وكيف أن كل دولة خليجية تحاول أن تنفرد بعقال خاص بها يميزها عن جيرانها في المحيط الخليجي ، وزادت علامات التعجب عندي مع مرور الأعوام ، لأنه مع ما أنعم الله على هؤلاء من طوفان المال بفضل الطفرة النفطية المستخرجة من أعماق أراضيهم الصحراوية الجرداء القاحلة ، ومع امتلاكهم لكل مقومات الحياة الكريمة والراحة والطُمأنينة مقارنة بجيرانهم المحيطين بهم ، فلم تعد تشغلهم مسألة تدبير قوت يومهم ، بعد أن عانوا آلاف السنين من شظف العيش وقسوة الصحراء سواء كانوا بدواً رُحَّل يقيمون حيث توجد آبار الماء ، أم صيادون يعيشون على ما كانت تجود بها بحارهم من اللآلئ والدُرر ، إلا أننا لم نسمع عن عبقري أو مخترع منهم ترك بصمته في التاريخ البشري المعاصر في أي فرع من فروع العلم والمعرفة ، وكان ومازال تساؤلي : هل يمثل العقال طوقاً يُلْجِمُ عقولهم ، ويكبح جماحها فيَحُوْلُ دون استخدامها في ما يفيدهم؟! ، ويحَوِّلُها إلى مجرد عجينة لينة طرية في جوف عظام جماجمهم .

لا يندرج ما تقدم في باب السُخرية أو الاستهزاء أو التهَكُّم أو الحسد أو تمني زوال ما أنعم الله به عليهم لا سمح الله بل هو من باب التفكُّر والتدبُّر ليس إلا ، فحكام أولئك الجيران قد أسلموا حصاد نفطهم لمن يهيمن عليهم من الشركات الأجنبية التي تولت التنقيب واستخراج ذلك النفط ، وما يؤول إليهم من فُتات عائدات نفطهم أودعوا معظمه في بنوك أجنبية ، ربما تحسباً من ثورةٍ قد تعصف بهم وتقتلعم من جذورهم حينما تتحرر شعوبهم من هيمنة ذلك العقال الذي يطوقون به اختيارياً عظام جماجمهم فيُغَيِّب عنهم عقولهم ، وهم يدركون تماماً أن من شأن ذلك الفعل أن يدعم ودون أدنى شك اقتصاديات الدول العظمى التي يودعون أموالهم فيها علی حساب ممالكهم هم .

تلك الأموال التي وهبها الله لهم لحكمة يعلمها جل جلاله ، جعلت معظم حكامهم – للأسف الشديد – يستخدمها بطريقة عبثية تفتقد تماماً للرُشْد ، وربما ليس لهم في ذلك خيار بفعل ذلك العقال ، فمن يُهيمن عليهم من أولاد عمومتهم من الصهاينة وقد أسلموه أعناقهم عند إيداع أموالهم لديهم ، يسيرونهم كيفما شاءوا ، ويولونهم صوب الوجهة التي تتفق مع مصالحهم هُم ، فيجعلونهم غافلون تماماً عن أن في أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ، وأنهم بتلك الأموال قادرون على تحقيق النصر والغلبة والتمكين للمسلمين في شتى مجالات الحياة ، إن هم سعوا لتسخير خير تلك الثروات لِلَم شتاتهم وتوحيد صفوفهم لمواجهة أعدائهم المتربصين بهم المغتصبين لأرضهم ، غير أن واقع الحال أن تلك الثروات صارت وبالاً عليهم وعلى المسلمين الموحدين في كل أصقاع الأرض ، لأنهم انساقوا لرغبات أسيادهم فجعلوها مساهمة أصيلة في الدس والوقيعة وتفريق صفوف المسلمين وبذر كل موجبات التناحر والاقتتال وسفك الدماء البريئة الطاهرة بين أبناء البلد الواحد .

ومضى أولئك الحُكام بنظرة الاستعلاء والخُيلاء في التقوقع حول أنفسهم ، ورفض فكرة التوحد والاندماج مع بقية أقرانهم الذين ينتمون لذات الدين ولذات العقيدة ، ويشاطرونهم ذات اللسان العربي ، فكل من يحاول التقارب معهم هو طامع بما في أيديهم من ثروات ، أما من يُغْرِق في تفاؤله بهم ليدعوهم للتوحد الكامل فقد أصاب عقله مس مُحَقق ، ظانين كصاحب الجنة أن لن تبيد هذه أبداً جازمين بعدم قيام الساعة كما جاء على لسانه في كتاب الله (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا) غير متعظين ولا موقنين بأن المُلك كُله لله وحده يهبه لمن يشاء وينتزعه ممن يشاء وأن الله مالك الملك قادر في غمضة عين وبالأمر الإلهي (كُنْ) فيكون أن يحيط بثمارهم حصاد جناتهم فتصبح خاوية على عروشها وقد نضبت وصار ماؤها غوراً .
بذات المنطق يمضي حُكَّام الشقيقة (الكُوبرى) مستغرقون في أحلام يقظتهم معتقدين أن بمستطاعهم بكل وقاحة وسَفَه وبإسناد دولي أُممي التحول في ليلةٍ وضُحاها من معتدٍ أثيم دمر وبمنتهى الحقارة والجُبن والخسة النذالة الحجر واقتلع الشجر وأزهق أرواح الآلاف من البشر على أرض (اليمن) العظيم ، إلى مجرد وسيط بين من يسميهم فُرقاء العمل السياسي في (اليمن) الشقيق بزعمهم ، أي بين من يصفونهم بالانقلابيين (الحوافيش) حوثيين وصالحيين ، ومن ينعتونهم بممثلي الشرعية الدستورية ، وهم الذين لا يعترفون أصلاً بشيء اسمه (دستور) ويسمونهم في مملكتهم النظام الأساسي ، لكن للضرورة موجباتها ، ويطالبون الأطراف اليمنية (المتنازعة) بالجلوس على طاولة واحدة في الرياض أو مكة المكرمة أو جدة واغتنام العشرة الأواخر من هذا الشهر الفضيل للمصالحة ، وبهذا يظنون أن بمقدورهم التنصل من مسئولياتهم الجنائية عن الجرائم والمجازر الوحشية التي ارتكبوها بحق آلاف الأبرياء من أبناء (اليمن) العظيم خلال ما يزيد عن خمسة عشر شهراً منذ بدء عدوانهم البربري الهمجي غير المبرر ، والتي لا يضاهيها – ربما – إلا المجازر الوحشية الجماعية التي أصم العالم أُذنيه عنها من قبل في حق المسلمين الأبرياء في بورما .

أما أخبرتكم من قبل في مطلع مقالي هذا ، أن للعقال دوره الساحر في تغييب عقول هؤلاء ومن سار في ركابهم ، وأنه آن لليمانيين أن يستمروا في تلقينهم أبلغ الدروس والعبرات والعظات ، لعلهم ينتزعون العقال عن عقولهم ليظهر لهم جلياً بشاعة ما جنته أياديهم الآثمة وما اقترفته طائراتهم وصواريخهم التي لا ترحم ولا تُبقي ولا تَذَر ، وأن حسابهم سيكون عسيراً عاجلاً أم آجلاً ، وأنهم إنما حفروا قبورهم بأيديهم حينما سولت لهم أنفسهم المُعْتَلَّة المساس بتراب هذا الجار العملاق الذي تقزموا في حضرته يوماً بعد يوم منذ بدء عدوانهم عليه ، وأنهم بتطاولهم على (اليمن) العظيم إنما كتبوا لمُلكهم بمشيئة الله وعونه وتوفيقه الزوال والاندثار .

You might also like