قسيسة من خلف الضباب7

إب نيوز ٢٦ أغسطس
——————————
عفاف البعداني

-لقدخفت عليك وظننتُ أنك سوف ستتزوجي بجدي /حمادي… ..

-تضحك نوال وهي في خضم بكاءها تقول: ومالذي سردته لك قبل قليل يازهرة… هو بالضبط الوجه الثاني لجدك حمادي .

-ابتسمت وهدأ روعها وكفكفت دموعها ،وهمستُ في أُذنها هل هناك شخص آخر يقطن في قلبك غيرجدي حمادي.
-تحمر وجنتيها وتصمت قائلةً :لا لقدذهبتي لمكان بعيد.

-سوف أحاول أن أُصدقك! عمومًا ادعي الله كثيرًا وسيكتب لك الخير.

-أتعرفي الحديث معك أشبه بالمسكن يحتدم الألم فيه ثم يهدأ فجأة ،وكأنّ روحك خُلقت خصيصًا للحيارى والبائسين ،ممتنة لك زهرتي.

-وأنا أيضًا ،ولكن امسحِ الدموع وهيا نعود للمنزل .

تقول زهرة:… خرجنا الساعة الخامسة وعشرون دقيقة ،وعدت إلى بيتنا وقد صنعت أمي وأصدقاءها عددا كبيرا من المعاطف ،والبعض صنعوا المعجنات،في تلك اللحظة شعرت أن بيتنا الصغير تحول لبقالة أو محل تجاري، أو ربما محل للبيع لايوجد مكان فارغ حتى تقعدعليه، المكان مليء بالمدد فغدًا سوف يتم إرسالها للجبهات ،خارج مدينتنا الضبابية،شعرت بمنجز عظيم ؛لأن مدينتنارأصبحت تتهيأ للجهاد وتضع بصمتها مع رجال الرجال.

بعدالعشاء أعددت ﻷمي شرابا ساخنًا من الزعتر؛ كي يخف صداعها ويقل أرقها شربته أمي وتمنيت لها ليلة سعيدة.

توجهت لغرفتي وبدأت معاركي الذاتية تشتعل وتتحول الغرفة إلى مدن من المرايا التي جسدت أحداث اليوم ابتدءًا من اختفاء القسيسة ،وصديقتي نوال وانتهاءًا بصداع أمي.

تعبت ولم أقوى على المواجه أخذت مذكرتي في الساعة العاشرة أضأت الشمعة التي قد انقضى نصفرعمرها بالأمس وبدأت أكتب في مذكرتي.

((10:00//م…اليوم تراكمت الأحداث وأصبحتُ غارقة بفرط من الشعور; نعم أيتها المذكرة لقد خانتني شجاعتي في حضرة القسيسة ،لقدتملكتني الريبة عندما اختفت فجأة، وانحرجت أمام أمي، وكم هو شعور صعب أن ترى شخصًا لايراه الآخرين!! وتحدث مخلوقا لاتسمعه سوى روحك المتعبة ،ففي الوقت الذي تحاول فهم العالم يأتيك العالم دفعة واحدة، وبطريقة خارقة عن المألوف، وكما أنني أحب التعمق ولكن ليس بالقدر أنني أستطيع أن أعيش معه بمعطف سميك من الريبة، أيضا أيتها المذكرة هناك شيء اختطف ساعة نومي الهادئة فأنا لازلت أتذكر دموع نوال وأي أب عساه يضحي بابنته مقابل المال ، وفجأة انطفأت الشمعة ولم أستطع أن أكمل شعرت بالخوف وأخذت القرار بأن أهجراليوم غرفتي، حاولت أن أستعين ببصيرتي؛ كي أمسك بالطرحة والوسادة ،كالليل إذاعسعس وصلت وأخذتها وتوجهت نحو أمي ))

-طرقت الباب ،أمي رحبت بي مداعبة
– “أهلاً بالضيفة الجديدة”
-هنا فندق سبع نجوم؟؟
-نعم; تفضلي .
-هل يوجد عندكم متسع لنازحة!؟؟
-نعم قلوبنا من ستسعها.

أغلقنا الباب وقلت: أمي… لقدخفت اليوم من غرفتي قررت أن أنام بقربك، لقداشتقت لحضنك ياأمي، هل فعلتي هذا كماكنتِ تفعليه وأنا صغيرة امسكِ بشعري واحكي لي حتى أنام .

-حاضر زهرتي اليوم أنتي في ضيافة قلب أمك.

كانت أمي سديم تخلل أصابعها بين خصلات شعري وأشعركما لو أني طفلةالعالم السعيدة، أمي هل اشتقتِ ﻷبي ،حدثيني عنه أكثر ،كم اشتاق إليه واتذكر صوته وكلامه الجميل .

تصمت أمي وفي عينيها تتلألأ الدموع… زهرة سأخبرك صحيح أني أشتاق له وكم أتمنى لو أنه بيننا؛ كي نتقاسم أصناف المعيشة،ولكني تجاوزت هذا الشعور بتسليم قلبي لله .

-كيف استطعتِ ياأماه ؟؟!

-أبوك في الفترة الأخيرة وقبل أن يذهب إلى جبهة( (…..))قال لي بنبرة غريبة: إنني أعشق الشهادة وأتمنى أن أنالها .

-ونحن ياجواد بهذه السرعة تريد أن تتركنا، صدقني سوف أجن إذا استشهدت، ولن أهدا إلا بعد الفين عام.

-عزيزتي سديم إن لك مكانًا في قلبي لاتسعه سماءٌ ولا أرض وإن هناك حبًا عظيمًا أكنه لولديًّ جهاد وزهرة، ولكن الوطن الأن بحاجة إلينا أكثر من أي وقت لو جلست معك وأقفلنا مدينة الضباب وتركنا الجهاد سوف يأتي المرتزقة وسوف تحلق الطائرة لنموت جميعًا ونحن في بيوتنا، ومن هنا سنعي أن الموت لانجأة منه نحن سنموت! سنموت! اليوم ،غدًا ،الشيء المختلف هو الطريقة التي تهيأنا بها للسفر إلى الله،

وأنا وأثقٌ بالله ،وعلى يقين أن قلبك سيظل قويًا إن مت أو حييت، أنتي وردتي النادرة ، ومأمني الوحيد، أنا لم أخترك من بين النساء إلا وأنا أعلم أن عقلك عظيما سيقف واعيًا لكل متقلبات الدهر،أثق بأنك ستكوني أم مثالية، ورائعة لأولادي .

-بالكاد تمالكت نفسي حينها ،ولكن دموعي جرت وسبقت صبري، كنت أشعر وأعلم أنه يودعني في تلك الليلة،وأنها اللحظة الأخيرة التي ساسمع فيها صوته.

استيقظت باكرًا أعددت له الجعبة وعطرت له بدلته العسكرية،وصنعت له الكعك، وهمست قائلة: انتظرك ياعزيزي ،اهتم بنفسك في رعاية الله.

-بعدها رحل جواد ولم يعد!!
لم يمضي إلا أسبوع واحد وتم إبلاغنا أن -السيد جواد- استشهد في ميدان العزة والكرامة.

مسحت دموعي وبنبرة ملؤها الشوق والحزن صبرت وحمدت الله، وكأنّ جواد قبل استشهاده أهداني قنديل أضيء به قلبي المعتم ،ومنحني ضمادة صبر أضعها على كل جرح يريد أن يشتعل، حتى أكون قوية ولااستسلم لهفوات القلب المميتة، وها أنا أكمل مابدأه ،وسوف أسعى جاهدة، لأكن أم مثالية وأصون أمانةجواد حتى آخر رمق لي بالحياة، ولا أخفيكِ أحيانا أعد الثواني التي سأذهب إلى حيث ذهب أباك .

-أمي.. كم أنتي عظيمة وأفتخرفيك تحزنين ولكن كأن الحزن ليس له سلطانا عليك، تشتاقين مؤكدا هذا !! ولكن كأن الشوق يخاف من دموعك إن هطلت ﻷنها سوف تغرقه حيا في خفقات قلبك المتسارعة،أنتِ قوية ،وكأني فهمت للتو أن ما يغلف قلبك ويحميه من صروف الزمان هي ثقة بالله تقتادي بها كلما شعرتي بالضعف.

-بخا بخا ابنتي زهرة إنك تشبهين أباك بكلماتك العذبة لقدكان محقا عندما قال: أنك ستكونين وريثة لأدبيته وحروفه.

هبط النعاس والنوم العميق فجأة وكيف له أن لأيأتي وأنا في حنايا أمي الدافئة،نمت وكانت أجمل ليلة قضيتها ،في حياتي بجوار أمي.

.

You might also like