ما هو السّرّ وراء رفض الرياض ما أملاه البيت الأبيض؟
وسط ردود فعل متباينة من دول المنطقة تجاه تطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني، ادعت السعودية، التي كانت صامتةً في البداية، أخيرًا وبعد ستة أيام في أول رد فعل لها على ذلك، أنها ملتزمة بخطة السلام العربية.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” الأسبوع الماضي، وفي أول رد له على اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني: إن “السعودية ملتزمة بالسلام على أساس مبادرة السلام العربية“.
كذلك، بعد أيام قليلة أيضًا من تصريح فيصل بن فرحان، أعلن “تركي الفيصل” الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودية، أن إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس ستكون ثمنًا لتطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني.
وكتب في مقال بصحيفة “الشرق الأوسط”: أي دولة عربية تريد الانضمام إلى الإمارات لتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، عليها أن تأخذ ثمنًا في المقابل، ويجب أن يكون ثمن وقيمة ذلك کبيرين.
وأوضح تركي الفيصل: لقد حددت السعودية ثمن السلام بين الکيان الصهيوني والدول العربية، وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وفق خطة الملك عبد الله بن عبد العزيز، الملك السابق.
مبادرة السلام العربية تجعل تطبيع علاقات الدول العربية مع الكيان الصهيوني، مشروطاً بإقامة دولة فلسطينية علی حدود عام 1967 المعترف بها، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وانسحاب الکيان الصهيوني من هضبة الجولان السورية. وفي الواقع، تنوي السعودية لعب دور المدافع عن فلسطين، من خلال إعلان التزامها بمبادرة السلام العربية.
هذا في حين أن خروج السعودية عن صمتها وإعلانها الالتزام بمبادرة السلام العربية، لا يتماشى مع إجراءاتها ومواقفها السابقة تجاه القضية الفلسطينية.
حيث لم تتفاعل السعودية بجدية مع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، کما أن البحرين وهي الدولة الخاضعة للرياض في جميع شؤون سياستها الخارجية، استضافت الكشف عن خطة صفقة القرن. فالسؤال إذن ما هي أسباب الموقف السعودي الأخير الذي يناقض أدائها في السنوات الأخيرة؟
من ناحية أخرى، فإن تأخر السعودية في إعلان موقفها من اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني، أمر يثير الشكوك. والحقيقة أن السؤال الذي يطرح نفسه هو، إذا کانت الرياض تعارض ذلك، فلماذا أعلنت موقفها بعد أيام من الصمت والتأخير؟
تؤكد مواقف السعودية وأفعالها في السنوات الأخيرة أنها دخلت في علاقات سرية مع الکيان الصهيوني، ولكن لدى الرياض تحفظات ومخاوف من الكشف عن علاقاتها مع تل أبيب وتطبيعها.
إن عوامل مثل فشل السياسات الإقليمية للسعودية، المعارضة الداخلية لسياسات بن سلمان، ظهور مشاكل اقتصادية حادة في البلاد، عدم رغبة بعض الدول والأوساط الغربية في وصول بن سلمان إلى السلطة، هزت بشدة أسس حکم ولي العهد السعودي.
ولذلك، تنوي الرياض توخي الحذر في تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، في ظل الوضع الحساس الحالي في السعودية، وبالتالي الحصول على أقصى قدر ممكن من التنازلات من واشنطن لضمان دعم بن سلمان.
ويبدو هذا الأمر أكثر أهميةً عندما نلاحظ بأنه بالإضافة إلى ما سبق، فإن ظهور معارضة داخلية لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب سيضاعف من مشاكل بن سلمان، وقد يكون ذلك وسيلةً لدی خصومه لممارسة المزيد من الضغط عليه، وبناءً علی ذلك فإن النظام السعودي في أمس الحاجة إلى دعم واشنطن لبن سلمان.
وفي هذا الصدد، كشف “مجتهد” الناشط على موقع تويتر والمعروف بالكشف عن أسرار الأسرة السعودية الحاکمة، أن السعودية تريد اتخاذ قرار مماثل لقرار الإمارات بتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، ولكنها وضعت شرطًا لتحقيقه.
وكتب في تغريدة: “إن هناك مساومةً بين ابن سلمان والولايات المتحدة، من أجل إجبار الرافضين في العائلة على “مبايعته” ملكاً مقابل إعلان التطبيع. بينهما خلاف أي الأمر يتم أولاً، الأمريكان يقولون التطبيع أولاً، ابن سلمان يقول بيعتي أولاً“.
ومع ذلك، فإن الرياض غير متأكدة من بقاء ترامب في البيت الأبيض، الأمر الذي قد يجعل السعودية تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ حتى بعد ذلك تتفاوض الرياض وتضع اللمسات الأخيرة على تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني مقابل دعم حكم بن سلمان.
من ناحية أخرى، فإن السعودية، وهي تعلم بطموحات أبوظبي، قلقة من فقدان موقعها الإقليمي. تدرك السعودية جيدًا أنها إذا دعمت اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني، فستكون خلف الإمارات في هذا الشأن، وبينما تشارك أبو ظبي في التعرُّض للضغوط والانتقادات التي ستنتج عن تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، فإنها ستفقد جزءًا من أوراق اللعب لديها.
من جهة أخرى، تشعر السعودية بقلق بالغ إزاء التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والإمارات، بحيث يؤثر ذلك على العلاقات بين الرياض وواشنطن ويحل أبو ظبي محل الرياض في السياسات الإقليمية للولايات المتحدة.
وهذا الأمر سيقلق الرياض أكثر بعد نشر تقارير مؤخراً عن احتمال بيع مقاتلات أمريكية من طراز “إف 35” للإمارات، وحتى شائعات غير مؤكدة حول إمكانية نقل أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة، أي قاعدة “العديد” في قطر، إلى الإمارات. لذلك ومن هذا المنطلق، لا تنوي الرياض تخفيف الضغوط على الإمارات بسبب تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.
يبدو بشكل عام أن كسر الرياض صمتها تجاه تطبيع الإمارات علاقاتها مع الکيان الصهيوني والقضية الفلسطينية، والذي ترافق مع إعلان التزامها بمبادرة السلام العربية، يأتي بهدف الحصول على تنازلات من واشنطن بشأن العلاقات الثنائية، والحفاظ على دور الرياض الإقليمي مع دعم حكم بن سلمان.
(الوقت)