حروفٌ من عواصفَ لا تهدأ .
إب نيوز ٢٧ أغسطس
*حنان سلامة
شكّل الاندحار “الإسرائيليّ” عن جنوب لبنان علامة فارقة في تاريخ المواجهة القومية ضد المخطط اليهودي الصهيوني بكلّ المفاهيم والمعايير والأطر الّتي حكمت هذا الصّراع منذ العام 1948، وقد جاء هذا الاندحار حصيلة جدليّة مركّبة ومتراكمة من العناصر الأمنيّة، السّياسيّة والنّفسيّة، محدثًا نوعًا من القطيعة الجيوستراتيجيّة.
أبرز ما دفع العدوّ الى الانسحاب، هو فشل المخطّط الصّهيوني بتوفير الأمن للمستوطنات شمال فلسطين المحتلّة بسبب عمليّات المقاومة، إضافة إلى تآكل قدرة الرّدع ~الإسرائيليّة~ الّتي جاءت نتيجة تفاعل جملة من العناصر الرّئيسيّة، منها نجاح المقاومة في بلورة معادلات الصّراع، حيث جعلت فيها موازين المواجهة تميل لمصلحتها. وقد نجحت المقاومة في تطوير أدائها القتاليّ، وما العمليّات الاستشهاديّة الّا دليل واضح على ثبات ونجاح أسلوب المقاومة.
سعى العدوّ الى تفكيك الوحدة بين المقاومة والحاضنة الشّعبيّة، لكن قدرة الصّمود العظيمة الّتي أظهرها الشّعب أصاب الكيان الغاصب بالفشل الذّريع. فالإجماع السّياسيّ المعادي لـ ” ~إسرائيل~ ” أقفل إمكانيّة إضعاف الجبهة الخلفيّة للمقاومة الّتي تشكّل السّدّ المنيع في وجه العدوّ.
نجحت المقاومة في تكريس شرعيّتها الدّوليّة، فلم تستطع الولايات المتّحدة الأميركيّة إبطال شرعيّة السّلاح والحقّ في الدّفاع، والتّصدّي لأيّ عدوان؛ فدخل العدوّ في حالٍ من التّناقض، فهو يمتلك قوّةً عسكريّةً هائلةً، لكنّه عاجز عن استخدامها، ففقد هيبته ومصداقيّته، وكان لا بدّ للمسار الطّويل من البطولة والمقاومة والاستشهاد أن يؤدّي إلى نتيجة نوعيّة، ألا وهي التّحرير وجلاء الاحتلال. إنّ نصرنا جمع بين حكمة الإدارة السّياسيّة وحنكة المقاومة، حيث توصّلنا إلى اختراق الرّأي العام الاسرائيليّ من خلال الحرب الإعلاميّة الّتي تتكامل مع الحرب العسكريّة والنّفسيّة. هنا تحوّل الانسحاب من لبنان إلى قضيّة رأي عام، فمشاهدة القتلى والجرحى من جنود الاحتلال على السّاحة اللّبنانية شكّل ضغطًا على القيادتين السّياسيّة والعسكريّة لاتّخاذ القرار بالانسحاب.
العدوّ ترك الصّراع معلّقًا من خلال رفضه الانسحاب من مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا، لذا، نحن لا نزال في حالة حربٍ لن تنتهي مع العدوّ الغاشم، ولن ننسى أنّ صراعنا مع اليهود هو صراع وجود وليس صراع حدود. كما ولن يغيب عن فكرنا أنّ القوّة هي القول الفصل بين إثبات الحقّ القوميّ أو إنكاره، وقول سعاده “إنّ فيكم قوّة لو فعلت لغيّرت وجه التّاريخ”. أثبتتها المقاومة بفعل عمليّاتها وتصدّيها للعدوّ، وكان اليقين أنّ المواجهة هي السّبيل الأوحد والخيار الأمثل لتحرير الأرض.
إنّ عداءنا للعدو الغاصب سيبقى تخليدًا للشّهداء الأبطال، الّذين قدّموا أرواحهم كرمى للوطن وتحرير أرضه من رجس الاحتلال البغيض. فمخطئ من يظنّ أن السلام مع العدو الغاصب – رغم الضغط على محور المقاومة – سيتحقّق طالما يوجد في لبنان شرفاء مؤمنون بحتمية زوال هذا الكيان.
واأسفاه على أهل الهمم الذين اضمحلّت عندهم القيم! سنسجّل وصمة عار على جبين كل من ساهم ويساهم في اغتصاب فلسطين، أو في دعم الكيان الصّهيونيّ. ففلسطين ستبقى مرآة الفجر وصدى أغنية النهر… ستبقى بحّة الناي ووشوشة السّنونو… ستبقى العزّ والكرامة وعنوان الصمود. تكالب عليها سلاطين القذارة وراهنوا على استسلام الشعب الفلسطينيّ الأبيّ الذي بقي صامدًا صمود النسور في القمم.
أيّها الشّهداء… يا من حملتم فوق جبينكم تباشير النّصر المجيد، يا من ولد الفجر من جراحاتكم، يا صنّاع المجد، يا من تقدّمتم الصّفوف وغزلتم من دمائكم كوكبًا درّيًّا، لكم أسمى التّحايا، ونعاهدكم أن تبقى أصابعنا على الزّناد وفاءً لكم ولقسمنا يوم رفعنا يميننا، وسوف تتكلّل أمّتنا بأكاليل الغار، فما النّصر إلّا بفعل الإرادة والمقاومة والثّبات.
سلاطينُ من الرَّمل
تستوطنُ فكرًا من العفنِ
تُحدِثُ في عالمِ الصَّحراءِ عواصفَ
كي تقبضَ رضا اليهوديِّ
والدَّفعُ مُسبقًا مدفوع الثَّمنِ
أوطانُكَ أيّها الرَّمليُّ ليست كموطِني
موطِنُكَ مُطَأطَأ الرَّأس
وموطِني لا ينحني
موطِنُكَ يطبعُ على جبينِهِ وصمةَ عار
يطبعُ تطبيعًا من الجُبْنِ
وموطِني هو فلسطينُ
وأنا في الانتماءِ فلسطيني.