في رحاب مدرسة كربلاء

بلقيس السلطان

لنقف قليلاً على أعتاب هذه المدرسة لنتعلم من منهاجها الكثير من الدروس والعبر ، فحادثة كربلاء لم تكن وليدة زمنها وعصرها فقط بل هي حادثة متجددة في كل زمان ومكان ، فمتى ماوجد الظلم والجور سيوجد الحسين ، ومتى ما تخاذل الناس وتركوا الحق سيحل الظلم وتستباح الدماء ، ومتى مارفع صوت الباطل لإسكات الحق ستجد ألف زينب ترفع صوت الحق لإزهاق الباطل .

لقد شكلت ثورة الحسين المنطلق الأول لثورات الحق ضد الباطل ، وظل الثائرون ينهلون من عزمه وصبره وصمودة ويجعلون من ثورته الجذوة المحركة لثوراتهم ، فحجم الظلم الذي واجهه الحسين واتباعه ليس بالسهل والهين ، فرؤية روؤس ألأقرباء تقطع كافية للبعض ليتراجع لكن الحسين زاد تقدما ، وصراخ الأطفال عطشاً كافية ليرفع البعض راية الاستسلام ، لكن الحسين زاد إصراراً وعزماً ، وقتل فلذة كبدك بين يدي البعض كافية لأن ينهار ، لكن الحسين زاد صلابة وشجاعة ، لن نقول أن الحسين لم يتألم ويتقطع ألماً لما يحدث ، لكن القضية التي خرج من أجلها كانت أكبر من أن يتراجع ويتركها ، ولأهميتها شدد جنود يزيد من وطأة الحصار والقتل على الحسين ومن خرج معه ، لعلهم يستطيعون إجباره على الرضوخ والانصياع لمبايعة يزيد وتقبل الظلم والانحراف الذي لحق بالأمة ، لكن هيهات لسبط رسول الله أن يقبل بذلك ، وبأن يرضخ للطغاة فصاح بعلو صوته مسمعاً الأفاق (هيهات منا الذلة_ هيهات منا الذلة ) فكيف الذلة لسبط النور محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي خرج في وجه قريش معلناً ثورة الرسالة ونشر الدين الإسلامي الذي جاء المتشدقون من بعده ليحرفوا الأمة عن مسارها ويدخلوها في منحدر الغواية والضلال .

هذه مدرسة الحسين التي عرفتنا بأن الدفاع عن الحق واجب وبأن نمضي في تحقيق العدل مهما كلفنا الثمن ، عرفتنا مدرسة الحسين بأن لا نركن إلى الجبناء وضعفاء النفوس الذي اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة وسهلوا للطغاة التمادي في بغيهم ، فهان عليهم عطش الأطفال وقتل الرضع وقطع روؤس آل بيت رسول والتطاول على نساءهم ، عرفتنا مدرسة الحسين بأن الثبات على الحق هو امتداد لثبات الثائرين من بعده ، وبأن عروض التخلي عن الحق مهما كانت مغرية فهي ذلة وانحطاط ، عرفتنا مدرسة كربلاء بأن المرأة مهما بلغ ألمها والجور الواقع عليها فذلك لن يسكتها بأن تقول كلمة الحق ولو عند سلطان جائر ظالم كما فعلت زينب أمام يزيد ، وبأن المرض ليس عذراً بأن نتخلى عن الدفاع عن موقفنا مهما كانت قساوة الطغاة كما فعل علي ابن الحسين أمام يزيد .

هذه هي مدرسة كربلاء التي تخرج منها الكثير من الثآرين ضد الباطل وصنعوا ملاحم اسطورية في سبيل الدفاع عن الحق ولو قل مؤيدوه ، وطمس الباطل ولو كثر اتباعه ، ومازالت مدرسة كربلاء تعطي الدروس في كل زمان ومكان وماأشبه اليوم في اليمن بالبارحة في كربلاء ، فمازال الطغاة على نهج يزيد يسبحون وما زال الثآرين من منهج الحسين ينهلون ، مازال الطغاة يستخدمون نفس أساليب الخبث من حصار وتجويع وقطع روؤس وتقتيل ، ومازال الثآرين يلقنونهم الدروس في الجبهات صارخين بشعار الحسين (هيهات منا الذلة هيهات منا الذلة ) فسلام الله على أبي عبدالله الحسين وعلى الثآرين والمجاهدين الماضين على درب الحسين وعلى من جعل الدفاع عن الحق منهاجه وقضيته وأفنى حياته في سبيل تحقيقه ، وعلى من نبذ الظلم والظالمين ووقف ضدهم مهما كانت المغريات والمناصب فبقية الله خير من الدنيا ومافيها والعاقبة للمتقين.

.

You might also like